أعلنت الحكومة السورية، خلال الأسبوع الأول من حزيران/يونيو الجاري، الإفراج عن عشرات الموقوفين من عناصر وضباط يتبعون للنظام البائد في الأجهزة الأمنية والعسكرية، في خطوة اعتبرتها الحكومة “جزءًا من مسار السلم الأهلي”.
وقالت وزارة الداخلية، في بيان رسمي، إن الإفراج عن الموقوفين في محافظة اللاذقية جرى “بعد ثبوت عدم تورطهم في أعمال قتل”، يوم الأحد 8 حزيران/يونيو الجاري، وذلك في إطار عملية وصفتها بأنها تهدف إلى “تعزيز الثقة الوطنية”، فيما لم تعلن الوزارة عن عدد المفرج عنهم أو تفاصيل التحقيقات التي خضعوا لها.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان مماثل من وزارة العدل، في 5 من الشهر الحالي، عن الإفراج عن 300 موقوف “بمناسبة عيد الأضحى”، عقب زيارات ميدانية قامت بها النيابات العامة إلى عدد من السجون، لتسريع الإجراءات القضائية.
أثارت هذه “الإفراجات” تساؤلات كبيرة في أوساط السوريين بشكل عام، حول مدى جدية الحكومة السورية في التعامل مع ملف العدالة الانتقالية، سيما أن الدفعة الأخيرة التي شملت على عدد كبير من “ضباط النظام البائد”، والذين قالت لجنة السلم الأهلي إنهم “سلموا أنفسهم طواعية بعد عام 2021، ولم تثبت بحقهم تهم ارتكاب أعمال قتل”.
خطوة رمزية أم اختراق فعلي؟
في أيار/مايو الماضي، تشكلت الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية بمرسوم رئاسي، تمهيدًا لخطوات “العدالة والمساءلة بعد انتهاء حكم الأسد”، إلى جانب هيئة خاصة بشؤون المفقودين. وتهدف الهيئة، برئاسة عبد الباسط عبد اللطيف، إلى “كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات”، بحسب تصريحات رسمية.
واكد رئيس الهيئة، في تصريحات نقلتها قناة الإخبارية السورية، التزام القيادة السورية بمسار العدالة الانتقالية، والتزامه “بالعمل لكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد”.
وعقد حسن صوفان، عضو “لجنة السلم الأهلي”، مؤتمرًا صحفيًا في دمشق، الثلاثاء 10 حزيران/يونيو الجاري، أكد فيه أن من شملهم الإفراج هم ضباط سلّموا أنفسهم بعد عام 2021، وخضعوا لتحقيقات لم تثبت عليهم ارتكاب انتهاكات جسيمة، وقد سلّموا أنفسهم طوعًا على الحدود العراقية وفي منطقة السخنة، وذلك ضمن ما يعرف بحالة “الاستئمان” التي منحتها لهم “القيادة السورية” في معركة “ردع العدوان”.
وأوضح أن الإفراج عنهم لا يُعدّ بديلاً عن مسار العدالة الانتقالية، بل خطوة مكمّلة له، مضيفًا: “لا وطن دون عدالة، ولا عدالة دون إنصاف”، وأشار إلى أن لدى اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، مساران متوازيان، والأسبقية هي لمسار السلم الأهلي كونه “يوفر الأرضية الصلبة لهذه الإجراءات الاستراتيجية”، مضيفًا إلى أن هناك العديد من الخطوات القادمة وهي تنتظر “دورها” و “التوقيت المناسب” ليتم الشروع فيها، وسيتم الإفصاح عن كل خطوة في حينها، حسب قوله.
عناصر سابقة للنظام البائد “لتفكيك المشكلات وحل العقد”
ذكر صوفان، في المؤتمر الصحفي، أن بعض الشخصيات المرتبطة بالنظام البائد، مثل القيادي في ميليشيا الدفاع الوطني (قوات رديفة للنظام البائد) والمتهم بضلوعه بمجزرة التضامن، فادي صقر، أُعطوا الأمان “كجزء من الاستراتيجية لحقن الدماء ولتهدئة التوتر المجتمعي”، مشيرًا إلى أن دوره ضمن هذا المسار “تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها سوريا”.
كما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، إلى أن تلك العناصر قد أسهمت بشكل كبير في عملية “ردع العدوان”، وساهمت بالتنسيق مع “القيادة” في إفراغ الثكنات العسكرية وإخلاء العناصر لمواقعهم، قبل الدخول إلى العاصمة دمشق.
وأشار إلى أن “العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم ضمن النظام السابق، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة”.
تساؤلات حول جدية مسار العدالة
أثارت تسجيلات بثها أحد عناصر النظام البائد، سقراط الرحية، تظهر خروج عدد من ضباط النظام البائد، الذين اعتقلوا خلال معارك “ردع العدوان” والتي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، سخطًا لدى ناشطين وصحافيين سوريين، معتبرين أن خروج هؤلاء الضباط “إهدارًا لدماء الشهداء” وتقويضًا لمسار العدالة الانتقالية، خصوصًا مع وساطات عناصر النظام البائد، مثل فادي صقر.
وقال الصحفي هادي العبدلله، عبر صفحته على فيسبوك: “لما بيصيروا الجلّادين وسيط سلام، الضحية بترجع بتنقتل مرتين”
فيما قال الباحث أحمد أبا زيد أن “لا سلام من دون عدالة.. يجب أن تكون المحاكمات علنية ولجان شرعية قبل الإفراج عن عناصر وضباط”.
واعتبر ناشطون أن الإفراج عن الضباط فقط دون بيّنة، ومن دون معالجة أوسع عبر المصالحة المجتمعية المباشرة، سيؤدي لانهيار مسار العدالة واشتعال لفتيل “الحرب الأهلية”، فيما يرى آخرون أنها تحتاج إلى مزيد من الوضوح والتوثيق، لضمان عدم تعارضها مع تطلعات السوريين إلى العدالة والمساءلة بعد أكثر من عقد من النزاع.