العقارات في حلب بين التهجير والسيطرة غير القانونية.. سوريا الجديدة تكشف التفاصيل

ما يزال ملف الأملاك والعقارات في مدينة حلب يثير جدلًا واسعًا بين العائدين من التهجير والجهات الرسمية، في ظل غياب آلية قضائية سريعة وموثوقة تعالج القضايا المتراكمة منذ سنوات.

فوجئ الكثير من الأهالي، الذين عادوا بعد استقرار الأوضاع بأشخاص آخرين يقطنون في منازلهم، بعضهم اشترى العقار بأوراق رسمية مثيرة للجدل، وآخرون استولوا عليه في ظروف الفوضى والنزاع.

ووفقًا للمادة 768 من القانون المدني السوري، يمنح المالك وحده حق الاستعمال والاستغلال والتصرف بممتلكاته “في حدود القانون”، إلا أن التطبيق على أرض الواقع يختلف كثيرًا، مع وجود حالات تزوير، إتلاف للسجلات الرسمية، واستغلال لغياب المالكين الأصليين.

عودة ناقصة

عاد علي الشحود، أحد أبناء حي صلاح الدين في حلب، إلى حيه بعد استقرار الأوضاع الأمنية في المدينة، وذهب لتفقد أحوال منزل والده القديم، ليتفاجأ بعائلة تسكن فيه وتصف نفسها بأنها “المالكة لهذا المنزل”.

وقد بدأ برحلة طويلة لإثبات ملكية والده المتوفي للمنزل، بين غياب الأوراق الرسمية وإتلافها، وظهور أوراق جديدة “مزورة” تثبت مليكة الأشخاص الجدد للمنزل.

يصف الشحود رحلته لاستعادة منزل والده بأنها “معركة طويلة مع الأوراق المفقودة واللجان المعقدة”، حيث يقول في حديث خاص لـ”وكالة سوريا الجديدة”.

“عُدنا إلى حلب بعد التحرير لنتفاجأ بأن منزل والدي يسكنه غرباء. والدي انشق عن النظام عام 2012، بعدما كان يعمل مساعدًا أول في الأمن الجنائي، ورفض الحل الأمني الذي انتهجه النظام البائد، وغادرنا البيت على عجل لم نحمل أي أوراق ملكية أو ثبوتيات، كنا نظن أننا سنغيب أيامًا ونعود”.

لكن عند عودة علي، وجد أن المنزل قد بيع لعائلة أخرى، “قالوا لنا إنهم اشتروا البيت بمبلغ مليون ونصف ليرة سورية (حوالي 150 دولارًا في الوقت الحالي)، ثم استعانوا بمحامية رتبت لهم أوراقًا رسمية وسجّلت العقار باسمهم”.

ويشير إلى أن الرجل الذي يقطن المنزل عرّف عن نفسه كمدني، إلا أن الجيران أكدوا أنه كان يعمل ضمن اللجان الشعبية الموالية للنظام البائد، ومن الواضح “أن تسجيل الملكية تم عبر إتلاف الوثائق الأصلية وإحلال وثائق مزوّرة”، بحسب قوله.

محاولات قانونية متعثرة

لم تتوقف رحلة علي عند هذا الحد، فمحاولاته لاستخراج وثائق جديدة من دائرة “الطابو” باءت بالفشل، حيث يقول إن الموظف في “الطابو” أخبرهم أن السجلات الأصلية “أُتلفت”، وطلب منهم الحصول على الأوراق من مكتبة خاصة تقع مقابل الدائرة، تحتفظ بنسخ غير رسمية. لكن النسخ كانت مسجلة باسم المالك الجديد، وحتى حينها، حيث أشار بعض الموظفين إلى ضرورة دفع مبالغ مالية لتسيير المعاملة، حسب قوله.

رفض علي دفع المال، وصوّر بعض الحوارات مع الموظفين، وقدم شكوى رسمية، لكن دون نتيجة واضحة. “قالوا لي إنهم سيحاسبون المرتشين وألا أنشر الفيديو، لكن لم يتغير شيء”.

كما واجه علي وأسرته مواقف مشابهة مع منزل آخر يعود للعائلة، إذ وجدت والدته عائلة أخرى تستولي عليه عام 2013، وواجهت تهديدًا مباشرًا من الأمن عند محاولتها الاعتراض، حيث”أخذوا منها الأوراق بالقوة بعد أن طلبت صاحبة المنزل الجديد اعتقالها” يقول علي.

لجنة “الغصب البيّن”

أصدر محافظ حلب، عزام الغريب، قرارًا يقضي بتشكيل لجنة “الغصب البيِّن” بهدف معالجة أبرز التحديات التي تواجه المهجّرين خلال عودتهم إلى ممتلكاتهم ومنازلهم.

وتعمل اللجنة على التحقق من قضايا العقارات المستولى عليها من قبل أفراد “متنفذين” قاموا باستملاك عقارات المهجّرين خلال الثورة السورية وبيعها أو تأجيرها لأشخاص آخرين دون أي وجه حق.

تأسست اللجنة في آذار/مارس الماضي، بالاستناد إلى المادة 45 من قانون الإدارة المحلية، التي تمنح المحافظين الحق، في حال وقوع “غصب بيِّن” على عقار أو حقوق عينية مدنية، باتخاذ قرار يُعيد الحالة الراهنة للعقار إلى ما كانت عليه قبل الغصب، بحسب ما تنقله صحيفة “الجماهير“.

ويشرف على قضية استعادة العقارات محافظ حلب ولجنة “الغصب البيِّن” الثلاثية، وهي لجنة تتكوّن من ثلاثة أعضاء من العاملين في السلك الحقوقي والقضائي، إضافة إلى دائرة الشكاوى التي تتولى فلترة الشكاوى وإحالتها إلى اللجنة، وإدارة الشرطة في حلب التي تتولى تسليم العقارات المستولى عليها بعد التحقّق والتحرّي.

لجأ علي إلى لجنة “الغصب البيّن” التابعة لمحافظة حلب، لكن إجراءاتها تعقّدت بسبب طلب وثائق غير متوفرة. يقول علي: “طلبوا شهادة وفاة والدي من الدوائر الرسمية في حلب، لكن استخراجها هناك صعب جدًا، فقمت بإصدارها من إدلب، بعد انتظار 6 أشهر لاندماج السيستم بين المناطق”.

كما طلبت اللجنة “صك حصر إرث”، وهو إجراء غير ممكن دون إثبات ملكية العقارات لوالده، حيث يضيف أنهم “عادوا إلى نقطة الصفر، والمحامي الذي وكلناه قال إن الأمر شبه مستحيل من دون الوثائق الأصلية”.

موقف الحكومة الجديدة

أصدرت وزارة الإدارة المحلية، مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، تعميمًا يحذّر المواطنين من شراء عقارات من أشخاص “متورطين بدماء السوريين” خلال فترة النظام البائد، وأكدت أن تلك المعاملات قد “تُلغى لاحقًا” إذا ثبت أنها تمت بطرق غير قانونية، مشيرةً إلى أن المرحلة السابقة شهدت استيلاءً واسعًا على العقارات وتزويرًا ممنهجًا لعقود البيع.

ويرى علي أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، تبقى غير كافية أمام تعقيدات الواقع، حيث يفتقد كثير من المالكين الأصليين وثائقهم القانونية، فيما استفاد آخرون من فراغ قانوني أتاح لهم تسجيل العقارات بأسمائهم.

معركة لم تُحسم بعد

حتى منتصف عام 2025، تقدّم نحو 624 شخصًا بشكاوى إلى لجنة الغصب البيّن لحل مشاكل العقارات في حلب، وتعاملت اللجنة مع حوالي 411 حالة، وتم البتّ في 88 منها وإزالة الغصب عنها، فيما توسّعت اللجنة في التحقّق من 55 حالة نظرًا للتعقيد الحاصل فيها، وأحالت 30 حالة إلى القضاء المدني لخروجها عن اختصاص اللجنة، بحسب ما نقلته صحيفة الجماهير.

قصة علي الشحود تعكس جانبًا من مأساة مئات الأسر التي تحاول استعادة منازلها في حلب في معركة تتوزع على جبهتين: استعادة الحجر المسلوب، وإثبات الحق في ظل غياب وثائق رسمية.

وبينما تستمر النزاعات أمام المحاكم واللجان، يبقى ملف الأملاك واحدًا من أكثر الملفات حساسية في مسار العدالة الانتقالية بسوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist