يصادف اليوم التاسع عشر من نيسان 2025، الذكرى السنوية الأولى لوفاة اللواء محمد أحمد فارس، أول رائد فضاء سوري وثاني عربي يصل إلى الفضاء، والذي رحل عن عالمنا في مدينة غازي عنتاب التركية عن عمر يناهز 73 عامًا بعد صراع مع المرض،
استطاع محمد فارس أن يكون رمزًا للإنجاز العلمي والموقف الوطني الشجاع، حيث جمع بين ريادة الفضاء ودعم الثورة السورية ضد نظام الأسد البائد.
مسيرة علمية وعسكرية حافلة
وُلد محمد فارس في مدينة حلب عام 1951، وحلم في طفولته أن يكون طيارا، خاصة عندما كان يشاهد مسار الطائرات العسكرية المحلقة من الكلية الجوية بحلب.
وبعد الحصول على الثانوية العامة تطوع في الأكاديمية العسكرية السورية، وهناك أعجب بمصطلحات الفضاء والأقمار الصناعية، إذ لم تكن معروفة لديه سابقا.
ويقول إنه حينها كان الطيار “رمزا للقوة دفاعا عن الوطن”، وكان ذلك سبب اختياره العمل في هذا المجال، فقد كانت حماية الوطن وبذل النفس من أجلها شيئا عظيماً ومقدساً.
وتخرج من الأكاديمية العسكرية السورية عام 1973، ليصبح طيارًا مقاتلاً على طائرة “ميغ 21” ومدربًا للطيران.
اختير عام 1985 ضمن برنامج التعاون الفضائي بين سوريا والاتحاد السوفيتي ليكون أحد المرشحين لرحلة فضائية. وبعد تدريبات شاقة في دمشق وموسكو، انطلق في 22 يوليو 1987 على متن مركبة “سويوز TM-3” إلى محطة الفضاء “مير”، برفقة رائدي فضاء روسيين.
قضى في الفضاء 7 أيام و23 ساعة، أجرى خلالها 13 تجربة علمية في مجالات الطب، الجيولوجيا، الكيمياء، والاستشعار عن بعد، بما في ذلك دراسة الأحواض المائية والطبقات الجيولوجية في سوريا.
وعلى الرغم من طموحه لتأسيس معهد قومي لعلوم الفضاء في سوريا، قوبل طلبه بالرفض، ما أثار حسرته على عدم استفادة بلاده من خبراته.
تهميش بعد رحلة الفضاء
بعد عودة اللواء محمد فارس من رحلته الفضائية والنجاحات التي حققها من خلال التجارب العلمية، تعمد نظام الأسد البائد تهميش محمد فارس ومنعه من استكمال أبحاثه العلمية.
يقول محمد فارس: “من هنا كانت النظرة الديكتاتورية، فعمل النظام على حجبي في المنزل 9 سنوات تقريبا، عبر نظام بشار الأسد، وقبله نظام حافظ الأسد، ولذلك ما كان علينا سوى التحلي بالصبر”.
موقف وطني شجاع
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتخذ محمد فارس موقفًا جريئًا بانحيازه لمطالب الشعب السوري. في أب 2012، انشق عن نظام بشار الأسد، وأعلن انضمامه ودعمه لمطالب السوريين الثائرين، وبعدها قرر مغادرة سوريا إلى تركيا.
في تركيا، عاش متنقلًا بين إسطنبول وغازي عنتاب، وحصل على الجنسية التركية، ليُصنف لاحقًا من قبل الهلال الأحمر التركي كأول رائد فضاء تركي.
وواصل فارس نشاطه العلمي والإنساني في تركيا، حيث ألقى محاضرات لنشر العلم والتوعية، معبرًا عن سعادته بأداء واجبه تجاه شعبه.
وفي حوار مع وكالة الأناضول، قال: “في تركيا انطلقت بمحاضراتي، وأنا سعيد لأني أشعر بأداء واجبي الإنساني والأخوي”. كما عبر عن ألمه من قمع نظام الأسد للعلم والحريات، مؤكدًا أن “الحرية والكرامة أغلى شيء في الوجود”.
وفاته
توفي محمد فارس في 19 أبريل 2024 في أحد مستشفيات غازي عنتاب بعد معاناة مع المرض، إثر مضاعفات عملية جراحية في شرايين القلب. نعاه الائتلاف الوطني السوري المعارض، واصفًا إياه بـ”فقيد سوريا”، كما نعاه صحفيون، سياسيون، ونشطاء سوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مستذكرين إنجازاته ومواقفه الوطنية.
إرث خالد
محمد فارس لم يكن مجرد رائد فضاء، بل كان رمزًا للطموح العلمي والشجاعة. رحلته إلى الفضاء أثبتت قدرة المواطن السوري على تحقيق الإنجازات العالمية، وموقفه مع الثورة جعله أيقونة للحرية والكرامة.
في ذكرى رحيله الأولى، يبقى محمد فارس كوكباً ساطعاً في سماء سوريا، يذكرنا بمواقفه الوطنية وحبه لوطنه ووقوفه إلى جانب الشعب السوري في وجه نظام الأسد البائد.