في إطار خطة شاملة تهدف لإعادة هيكلة وتطوير الخدمات القنصلية المقدّمة للسوريين في الخارج، أطلقت وزارة الخارجية والمغتربين السورية حملة تطوير واسعة تشمل عددًا من السفارات السورية في أوروبا، استُهلت بإجراء مقابلات مكثفة في السفارة السورية بالعاصمة الألمانية برلين، يوم الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر)، لاختيار كوادر محلية جديدة للعمل في الطواقم القنصلية والإدارية.
أكثر من ألفي متقدّم
بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، تجاوز عدد المتقدمين للمقابلات في برلين ألفي شخص من السوريين المقيمين في ألمانيا، ممن تقدّموا بطلبات للانضمام إلى الكادر المحلي في السفارة.
تأتي هذه الخطوة ضمن برنامج تطويري أطلقته وزارة الخارجية والمغتربين لرفع كفاءة الأداء وتحسين الخدمات المقدّمة للجالية السورية في الخارج، ولا سيما في ألمانيا التي تضمّ أكبر جالية سورية في القارة الأوروبية.
في هذا السياق، أوضح أنس البدوي، مدير إدارة التنمية الإدارية في وزارة الخارجية والمغتربين، أن المقابلات تأتي ضمن خطة إصلاح إداري متكاملة تعمل عليها الوزارة منذ مطلع العام الجاري، بهدف تعزيز القدرات البشرية والفنية في البعثات الدبلوماسية، خصوصًا في الدول التي تشهد كثافة سكانية سورية مرتفعة.
وأضاف البدوي أن الوزارة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى دعم الكوادر المحلية والمتعاقدين العاملين في السفارات والقنصليات السورية، بما يضمن تطوير الأداء الإداري وتحسين تجربة المراجعين. وتشمل الفئات المستهدفة في هذه المرحلة تخصصات متعددة، من بينها مدخلو البيانات، وموظفو الاستقبال والاستعلامات، والمديرون الإداريون، والسكرتارية التنفيذية، بينما تستمر الوزارة في استقدام التخصصات الفنية من كوادرها الرسمية في دمشق.
معايير دقيقة واختبارات شاملة
وبيّن البدوي أن عملية الاختيار تعتمد على معايير مهنية واضحة، تراعي المؤهلات الأكاديمية والخبرة العملية ومستوى اللغة والقدرة على التعامل مع الجمهور. ويتضمّن التقييم اختبارًا عمليًا ومقابلة شخصية لكل متقدّم، بهدف قياس سرعة الإنجاز، ودقّة العمل، ومهارات التواصل الفعّال مع المراجعين من مختلف الفئات.
كما أشار إلى أن الوزارة تعتمد مبدأ الكفاءة والجدارة المهنية كمرتكز رئيسي في عملية الانتقاء، بما ينسجم مع توجهات الدولة في إصلاح الجهاز الإداري وتحديث أساليب العمل داخل المؤسسات الرسمية في الداخل والخارج.
التحضير لافتتاح القنصلية السورية في بون
ومن المقرر أن تُستكمل المقابلات خلال الأيام المقبلة في مدينة بون الألمانية، تمهيداً لافتتاح القنصلية السورية الجديدة هناك، في خطوة تهدف إلى تخفيف الضغط الكبير على السفارة السورية في برلين وتسهيل حصول المواطنين المقيمين في غرب وجنوب ألمانيا على خدماتهم القنصلية دون الحاجة إلى السفر لمسافات طويلة.
ومن المنتظر أن تقدم القنصلية الجديدة مجموعة واسعة من الخدمات تشمل إصدار وتجديد جوازات السفر، وتنظيم الوكالات القانونية، وتوثيق العقود، ومعاملات الأحوال المدنية والشهادات الدراسية. كما سيُعتمد فيها نظام إلكتروني حديث يتيح للمراجعين حجز المواعيد مسبقاً عبر الإنترنت ومتابعة معاملاتهم رقمياً، انسجاماً مع مسار التحول الرقمي الذي تشهده المؤسسات الحكومية السورية.
خطة تطوير موسّعة للسفارات الأوروبية
وأفادت مصادر في وزارة الخارجية بأن الزيارة الحالية إلى ألمانيا تأتي ضمن جولة أوروبية موسعة تشمل عددًا من العواصم التي تضم جاليات سورية كبيرة، بهدف تقييم الأداء القنصلي وتحديد الاحتياجات الإدارية والفنية في تلك السفارات.
وتعمل الوزارة، وفقًا للمصادر، على تنفيذ برنامج متكامل لتحديث البعثات الدبلوماسية، يشمل تحسين بيئة العمل وتأهيل الكوادر وتزويد السفارات بأنظمة إلكترونية متطورة، إلى جانب تحديث البنية التحتية الفنية والتقنية. كما يجري التنسيق مع وزارتي التنمية الإدارية والاتصالات لتطبيق أنظمة رقمية موحدة بين السفارات والإدارة المركزية في دمشق، بما يضمن سرعة التواصل ودقّة الإنجاز.
تحسين الخدمات وتخفيف الأعباء عن المغتربين
تأتي هذه الخطوات استجابةً لشكاوى متكرّرة من أبناء الجالية السورية في أوروبا حول بطء الإجراءات وتعقيد المعاملات نتيجة الضغط الكبير على السفارات. ويأمل كثير من السوريين أن يسهم تعيين كوادر جديدة وتوسيع الخدمات القنصلية في تسهيل إنجاز المعاملات الرسمية، مثل إصدار جوازات السفر أو تصديق الوثائق الدراسية، التي كانت تستغرق سابقاً فترات طويلة.
كما عبّر عدد من المتقدّمين للمقابلات في برلين عن تفاؤلهم بالخطوة، معتبرين أن إشراك كوادر محلية متمرّسة ومتقنة للغة الألمانية سيساعد على تحسين التواصل بين السفارة والمواطنين ويعزز من كفاءة الخدمات المقدّمة.
تعزيز الحضور الدبلوماسي السوري في الخارج
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تمثل تحولًا نوعيًا في عمل البعثات الدبلوماسية السورية، بعد سنوات من التحديات المرتبطة بتزايد عدد السوريين المقيمين في الخارج وتعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي.
ويتوقّع أن تساهم خطة التطوير الجديدة في تعزيز الحضور الدبلوماسي والإداري للدولة السورية في الخارج، وتحسين صورة مؤسساتها القنصلية، خاصة في الدول الأوروبية التي تضم مئات آلاف السوريين. كما تُعدّ الخطوة مؤشراً على توجه واضح نحو الاستفادة من خبرات الكفاءات السورية في المهجر لبناء جسور تواصل فعّالة بين الوطن وأبنائه في الخارج.
ويأمل أبناء الجالية السورية في أن تنعكس هذه الجهود على أرض الواقع بتحسين ملموس في جودة الخدمات القنصلية، وإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته الرسمية، بما يعزز التواصل الإيجابي بين الدولة وأبنائها المنتشرين في العالم.