نازحو المخيمات شمال سوريا… بين خفض مستويات الدعم وصعوبات العودة إلى الديار

أحمد الدك

رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على سقوط النظام البائد إلا أن مئات الآلاف من النازحين لا زالوا يقيمون في مخيمات اللجوء في مناطق الشمال السوري، في ظل ظروف إنسانية صعبة بسبب انخفاض مستويات الدعم الإنساني ونقص المساعدات وغياب الخدمات الأساسية عن معظم المخيمات، بما فيها المياه النظيفة والخبز وغيرها من المواد الأساسية والخدمات التي كانت تقدمها الجمعيات والمنظمات.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه حتى كانون الثاني/يناير من العام 2025، كان أكثر من 3.4 مليون نازح داخلي يعيشون في شمال غرب سوريا، بما في ذلك 1.95 مليون في 1500 مخيم وموقع نزوح آخر في محافظتي إدلب وحلب، وفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

وبينما كانت الرغبة في العودة منتشرة على نطاق واسع بين النازحين في المخيمات، قال عدد كبير منهم إن العقبات أمام عودتهم تشمل الافتقار إلى المساعدات الإنسانية وفرص العمل وسبل العيش والوصول إلى الخدمات الأساسية.

واقع المخيمات

جال مراسل “سوريا الجديدة” عدداً من مخيمات الشمال السوري ليرصد واقع الحال بعد انخفاض مستويات الدعم الإنساني، بدت الأوضاع الإنسانية صعبة للغاية، ومعظم من هم في المخيمات اليوم من الفقراء الذين لم يتمكنوا من العودة الى بلداتهم ومدنهم التي نزحوا وتهجروا منها في أوقات سابقة لأسباب عديدة، أهمها كون منازلهم مدمرة وبحاجة ترميم، وهم بالأصل ليس بمقدورهم دفع تكاليف سيارة نقل أمتعتهم.

قال مدير مخيم الزيتون “أبو عدي” لموقع “سوريا الجديدة” إن “المعاناة اليومية بسبب نقص الخدمات زادت بشكل لافت في المخيم، يعاني سكان المخيم من عدم ترحيل القمامة وتعطل الصرف الصحي وندرة المياه الصالحة للشرب”، وأوضح أن “تراكم كميات كبيرة من القمامة تسببت بظهور حبات السنة لدى الأطفال وحكة باليدين، ومع قدوم فصل الصيف ستنتشر الحشرات بسبب تراكم القمامة مما يهدد بوقوع كارثة”.

وحول صعوبة الحصول على المياه قال “أبو عدي” إن “النازحين في المخيم ليس لديهم القدرة على شراء المياه حيث وصل سعر الخزان ( 5 براميل) إلى 10 دولارات، ما اضطر السكان إلى شراء المياه بكميات قليلة (5 ليتر أو 10 ليتر) وهي مياه نظيفة مخصصة للشرب والطهي”.

عودة مستحيلة

ما تزال إمكانية عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى قراهم ومدنهم تواجه عوائق كثيرة، إذ تؤخر هذه العودة المفترضة عدة عوامل، بينها عوامل خدمية واقتصادية وأمنية تتعلق بالسكن والخدمات والتعليم والاستقرار الأمني، بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي حل بالبلدات الأًصلية للنازحين.

أبو محمد أحد النازحين في مخيمات الشمال السوري يقول لموقع “سوريا الجديدة” إن “النازحين يعانون من ضعف الأوضاع المادية وليس لديهم موارد مالية للعودة إلى منازلهم التي هي مدمرة بالأصل وبحاجة إلى ترميم أو إعادة إعمار، بعض العائلات تضررت منازلها بشكل كبير، بعضها مهدم بالكامل والعودة اليها مستحيلة في الظرف الراهن، فعمليات الترميم الجزئي باتت تكلف آلاف الدولارات في ظل الارتفاع الهائل في أسعار مواد البناء”.

وكشف أبو محمد أن “توقف المساعدات الإنسانية زاد أوضاع النازحين سوءاً إذا كانت هذه المساعدات بمثابة راتب شهري للعائلات النازحة تساعدهم في شراء الدواء واللباس والمؤونة، وبدا هذا الاجراء كمحاولة لدفع النازحين للعودة إلى بلداتهم، وإجبارهم على ترك المخيمات، المصيبة الى أين سيذهبون، هل يحمل النازحون معهم خيامهم ليبنوها في بلداتهم التي تعاني أصلاً من غياب معظم الخدمات، كالكهرباء والمياه والصرف الصحي، جميعها مدمرة”.

يرى الآلاف من النازحين في المخيمات أنهم مجبرون على البقاء بخيامهم ومواجهة ظروف المخيمات العصيبة، وذلك بسبب تهدم منازلهم وغياب الخدمات الأساسية في مناطقهم الاصلية، ففي معرة النعمان مثلاً، وفي البلدات والنواحي التابعة لها تحاول المؤسسات المحلية الناشئة إعادة تأهيل الخدمات لتسهيل عودة النازحين، لكنها مساعي متواضعة أمام حجم الكارثة التي خلفها النظام البائد.

أم قاسم هي واحدة من النساء اللواتي يعلن أسرة كبيرة في مخيمات النزوح شمالي سوريا، تقول لموقع “سوريا الجديدة” إن “منزلها مدمر وليس لديها الاستطاعة المالية لإعادة ترميمه في الوقت الحالي، بالكاد أتدبر مصاريف المعيشة المرتفعة للعائلة” تضيف “ما من عائلة نازحة تتمنى البقاء في المخيم، الجميع يرغبون بالعودة لكنهم ينتظرون مبادرة الحكومة لمساعدتهم في إعادة إعمار منازلهم وإعادة الحياة الى بلداتهم ومدنهم المدمرة”.

وكانت المتحدثة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة “سيلين شميت” قالت إن سوريا تحتاج إلى دعم عاجل لإعادة البناء بعدما دمرت سنوات الصراع الاقتصاد والبنية التحتية، مما جعل 90 في المائة من السكان يعتمدون على المساعدات.

وأضافت شميت: “هناك الآن أمل وفرصة تاريخية. ندعو المجتمع الدولي إلى الالتزام الراسخ بدعم السوريين من خلال دعم الجهات الفاعلة الإنسانية والاستثمار في التعافي المبكر”. وقالت إنه من خلال ضخ الدعم، يمكن للمجتمع الدولي المساعدة “في إنهاء ما لا تزال أكبر أزمة نزوح في العالم.”

وتجاوز عدد المنازل التي تهدمت في سوريا قرابة 2.9 مليون منزل، من بينها أكثر من 850 ألف مبنى مدمر بشكل كامل، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في حين قدرت دراسة سابقة “للإسكوا” في 2013، عدد المنازل المهدمة بنحو 1.9 مليون منزل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist