عقود من القطيعة والتوتر .. هل يفتح لقاء ترمب – الشرع صفحة “سورية أمريكية” جديدة؟ 

فتح قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الثلاثاء 13-5-2025 برفع العقوبات عن سوريا، الباب لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين لأول مرة منذ حوالي أكثر من 45 عامًا، حيث تكلل القرار أيضًا بلقاء تاريخي جمع بين الرئيسين الأمريكي والسوري هو الأول منذ عام 2000.

فكيف سارت العلاقات الأمريكية السورية، ومتى بدأت في التدهور وما هي الظروف التي أدت إلى عودتها حاليًا؟، تساؤلات يحاول التقرير الآتي تقديم إجابات وافية عنها، وفق تسلسلها الزمني والمنطقي.

بداية التوتر

منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة بدأ التوتر يسود العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، إلى أن بلغ أوجه عام 1979 عندما أدرجت سوريا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، حيث لم تدخل اتفاقية السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل أيام الرئيس المصري أنور السادات.

ورفع الأسد الأب حينها شعار دعم المقاومة الفلسطينية رغم أنه قتل آلاف الفلسطينين في تل الزعتر وغيرها.

وقد اتهمه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أكثر من مرة، بأنه لا يعترف بفلسطين ولا ينظر إليها إلا كورقة مساومة، وأنه شارك فعليا بالحرب على المخيمات الفلسطينية في لبنان وقتل الآلاف منهم.

لا بل ذهب عرفات إلى أبعد من ذلك حين قال- وفقا ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط- إن مهمة الأسد هي استكمال مهمة شارون الرامية إلى تصفية منظمة التحرير الفلسطينية.

في 1994كان هناك لقاء جمع بين الرئيس الأمريكي بيل كلينمون وحافظ الأسد في دمشق، لمناقشة عملية السلام وما سمي يومها بوديعة رابين حول الإنسحاب الإسرائيلي من الجولان السوري المحتل، تلاه اجتماع آخر عام 2000 في جنيف بين الأسد الأب وكلينتون.

غير أن المحادثات فشلت، ليكون ذلك آخر لقاء بين رئيس سوري وأمريكي وتبدأ بعدها سلسلة أكبر من العقوبات والضغوطات الأمريكية على سوريا لعلاقتها مع إيران ودعم الحركات التي تعادي الولايات المتحدة وحلفائها.

حالة الطوارئ الوطنية ضد سوريا

في  2004 وبعدما ورث بشار الأسد الحكم عن أبيه إثر عملية فرض تغيير الدستور، وقع الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون وحتى الآن على قرار حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بسوريا.

ومن أسباب ذلك ارتماء نظام الأسد بالحضن الإيراني واستمراره بدعم ميليشيا حزب الله وحركة حماس، ما أدى لفرض عقوبات أمريكية كثيرة على سوريا تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة والسلاح وغيرها.

ثم زادت القطيعة أكثر بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005، الذي ثبت فيه تورط حليف الأسد الرئيس ميليشيا حزب الله بذلك، وفق محكمة دولية أعلنت قرارها، قبل ثلاث سنوات فقط.

بموجب حالة الطوارئ الوطنية استهدفت أمريكا المتورطين باغتيال الحريري ثم عاقبت في 2008 شخصيات سورية متورطة بالفساد الذي دعم سلوك النظام (كإثراء غير مشروع للمقربين).

وقبل فترة قصيرة من اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشارالأسد بسبب القمع والفساد والاستبداد، عينت الولايات المتحدة روبرت فورد سفيرًا لها في سوريا غير أنه تم سحبه بعد أشهر من اندلاع الثورة عام 2011، حيث واجهها الأسد بالحديد والنار.

العلاقات الأمريكية السورية بعد الثورة

زاد التوتر أكبر بين أمريكا ونظام الأسد الابن بعد الثورة السورية وبادرت واشنطن إلى فرض حزمة جديدة وقاسية من العقوبات، وتم توسّيع حالة الطوارئ الأمريكية لتشمل انتهاكات حقوق الإنسان بوصفها تهديدًا غير عادي للأمن القومي الأميركي.

استمرت العقوبات بالتوسع خلال السنوات اللاحقة، ففي نيسان 2012 صدر الأمر التنفيذي 13606 لمعاقبة من يساعدون النظامين السوري والإيراني في انتهاك حقوق الإنسان عبر تكنولوجيا المراقبة وغيرها. 

وفي أيار 2012، صدرالأمر التنفيذي 13608 لاستهداف الأشخاص والشركات الأجنبية التي تساعد في التهرب من العقوبات المفروضة على سوريا وإيران.

كما واصلت وزارة الخزانة إضافة كيانات وأفراد سوريين أو داعمين لهم إلى قوائم العقوبات بشكل منتظم بسبب أنشطتهم المزعزعة للاستقرار أو انتهاكاتهم.

قانون قيصر “تطور نوعي”

وفي تطور نوعي، أقر الكونغرس الأميركي في عام 2019 قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا ضمن موازنة الدفاع، ودخل حيز التنفيذ في حزيران 2020. وسّع هذا القانون نطاق العقوبات بشكل غير مسبوق ليشمل الأطراف الأجنبية التي تدعم النظام المخلوع.

على سبيل المثال، يفرض القانون عقوبات على أي جهات أو أفراد أجانب يقدمون دعمًا ماليًا أوتقنيًا كبيرًا للحكومة السورية أو لقطاعيها العسكري والنفطي أو يشاركون في مشاريع إعادة الإعمار لصالح النظام.

وقامت وزارة الخزانة في حزيران 2020 بإدراج أول مجموعة من الأفراد والكيانات بموجب قانون قيصر، مؤكدةً أن أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام البائد معرضة للإجراءات الأمريكية.

وبذلك أصبح برنامج العقوبات على سوريا أحد أكثر برامج العقوبات شمولًا وتعقيدًا التي تطبقها الولايات المتحدة.

“خطوة مقابل خطوة”

وفي عام 2021، أعدت الأردن مبادرة عرفت لاحقًا باسم “خطوة بخطوة” لإخراج نظام بشار الأسد من العزلة ودعم اقتصاده شيئًا فشيئًا في مقابل عدة طلبات.

وبحسب ما نشر حينها فإن أبرز الطلبات كانت الإفراج عن المعتقلين السوريين، والسماح بعودة أمنة للمهجرين، والابتعاد عن إيران وطرد ميليشياتها من سوريا التي فتكت بالسوريين، وباتت تشكل خطرًا على دول الجوار (العرب وإسرائيل على حد سواء).

وكذلك التوقف عن إنتاج وتصدير المخدرات والكبتاغون مع حزب الله وإيران، غير أن الأسد لم يستجب لأي من ذلك.

قانون الكبتاغون 1و2

في نهاية عام 2022 أقر الرئيس الأمريكي جو بايدن قانون ضد نظام الأسد سمي بقانون الكبتاغون1 وبعدها بحوالي عام ونصف تمّ إقرار قانون آخر سمي الكبتاغون رقم 2.

وكلا القانونين أتيا عقب عدم استجابة نظام بشار الأسد لمبادرة الدولة العربية عمومًا وزيادة اعتماده على مادة الكبتاغون وتصديرها للدول المجاورة ومعظم دول العالم.

وبموجب القانونين، فقد فرضت عقوبات إضافية على بشار الأسد نفسه وأخيه والدوائر المقربة إليه، والصد عن التطبيع معه ما لم ينفذ المطالب المشار إليها.

ردع العدوان

وفي 27 تشرين ثاني 2024 أطلقت فصائل الثورة السورية، في الشمال السوري معركة ردع العدوان ضد نظام الأسد وميليشياته استطاعت خلالها من إسقاط نظام الأسد في 8-12-2024 ، حيث فر مع عائلته وكبار ضباطه إلى روسيا.

ومع وصول الرئيس الشرع إلى حكم البلاد، عقب قيادته لمعركة ردع العدوان، بدأ يكافح مع حكومته لرفع العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على سوريا بسبب سياسات نظام الأسد في المنطقة وإجرامه ضد السوريين على مدار 14 عامًا.

وتكللت هذه الجهود أخيرًا برفع الرئيس ترمب للعقوبات ولقائه الرئيس الشرع في السعودية بوساطة من ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، وقبلها بزيارة إلى باريس ولقاء الرئيس الفرنسي، الذي وعد بدوره برفع العقوبات الأوروبية على سوريا ودعمها للوصول إلى الاستقرار والسلام.

مطالب واشنطن

وقبل رفع العقوبات سلمت واشنطن الحكومة السورية في مارس/آذار الماضي قائمة من 8 مطالب تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم، ومشاركة فعالة لجميع المكونات السورية في الحكم.

وردت سوريا في أبريل/نيسان الماضي كتابيًا على المطالب الأمريكية، مؤكدة أنها نفذت معظم الشروط الأمريكية، لكن البعض الآخر يتطلب تفاهمات متبادلة مع واشنطن.

وبحسب ما رشح عن لقاء الشرع وترمب في السعودية فإنهما اتفقا أيضًا على محاربة الإرهاب المتمثل بداعش وأي منظمات أخرى متطرفة.

وأثنا ترمب بعد اللقاء على الرئيس الشرع ووصفه بالقوي وقال: أعتقد أنه لايمانع في دخول اتفاقات السلام الإبراهيمية في نهاية المطاف غير أن سوريا تحتاج إلى فترة من الوقت لكي تستعيد عافيتها وتوازنها

ولاقى قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، ترحيبًا واسعًا من دول عربية ومنظمات دولية، إذ أشادت الأمم المتحدة وجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي بالخطوة، مثمنين دور المملكة العربية السعودية في هذا السياق.

كما رحبت تركيا وألمانيا ومصر والأردن ولبنان وقطر والكويت والعراق وغيرهم بالقرار، معتبرين أنه سيفتح المجال أمام انتعاش اقتصادي واستقرار في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist