“ابني عمرو 14 سنة وحيد على اخت، ويتيم كان عم يقدم المادة قبل الأخيرة في الصف التاسع عندما فقدت الاتصال به”، هذا قبل أن تعرف فاطمة الشامي أم أحمد بعد أيام قليلة أن طفلها ووحيدها اعتقلته الشرطة العسكرية بتهمة القيام بتفجيرات إرهابية في اللاذقية.
أم أحمد واحدة من عشرات آلاف الأمهات السورية اللواتي فقدن أطفالهن وفلذات أكبادهن على يد نظام الأسد وزبانتيه، وهي واحدة من القصص المأساوية، التي كُتب لها النشر لتكون شهادة جديدة على إجرام نظام الأسد، الذي فاق كل تصور.
تؤكد توثيقات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أنه منذ آذار 2011 وحتى منتصف العام المنصرم 2024، قُتل 30 ألفًا و228 طفلًا سوريًّا، أكثر من 90 بالمئة منهم على يد نظام الأسد البائد، منهم 190 قضوا بسبب التعذيب في معتقلاته.
مظاهرة وتفجيرات
وتقول أم أحمد في مقابلة خاصة لوكالة سوريا الجديدة، إنها فقدت الاتصال مع طفلها أحمد حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، في 13 حزيران عام 2012، وكان عمره آنذاك، 14 عامًا، حيث رد عليها أنه قادم إلى البيت، وأن هناك مظاهرة في المنطقة وأنه يسمع صوت تفجيرات.
“في الساعة التاسعة لم يعد يرد على هاتفه، سألت أصدقاءه فقالوا إنهم بعد أن خرجوا من الفحص كانوا مع بعضهم وقد تركوه وهو ذاهب إلى البيت، وهنا بدأت بالبحث عنه في كل مكان وفي المستشفيات، لكن لم يخطر ببالي أن يكون قد قبض عليه الأمن”.
وتضيف أم أحمد أن جارتها أخبرتها بأن تستعين بمدير أوقاف اللاذقية حينئذ المدعو زكريا السلوايه، وتفاجأت بأنه يعرف أن ابنها قد اعتقلته الشرطة العسكرية، لا بل قال لها: “ابنك كان مسؤولُا عن تفجيرات”.
على الفور نفت أم أحمد ذلك، وظلت تستجدي المفتي الذي أرسلها إلى مدير الشرطة العسكرية العقيد أديب اسمندر، وقد أوصاه على الهاتف بأن يسمح لها برؤية طفلها.
تتابع أم أحمد: دخلت حيث أديب اسمندر وطلبت رؤية ولدي فقال “ابنك قاتل وإرهابي” فرددت أن ذلك مستحيل، ابني قد يخرج بمظاهرة ولكن من المستحيل أن يقتل أحد فهو طفل و”أنا بعرف شو ربيت”، وبعد أخذ ورد سمح لي برؤية ابني لأني جئت من قبل المفتي سلوايه.
أمــــي.. ياروح أمك!
وتتابع أم أحمد وقد بدأ يختلط كلامها بدموعها وعبراتها الحارقة: “نزّلوني لأرى ولدي وخلوني انتظر شوي لبين ما خلوه يغسل وجهو من آثار الضرب والتعذيب (,,,) رآني في آخر الممر فنادى بصوت مخنوق لا أنساه أبدًا (أمــــــي)، رددت بالبكاء ياروح أمك ياقلب أمك لا تخاف بدي طالعك من هون إن شالله”، وهنا تدخل عنصر أمن يراهما وعلق “ليش عم تبكي ع شقفة إرهابي”، لترد الأم بحرقة “فشرت أنتو الإرهابية نحن عنا وطنية أكتر منكم”.
أحمد يرفض تقبيل البوط العسكري
وبعد ذلك تم تحويل أحمد إلى المحكمة، ثم إلى سجن الأحداث في اللاذقية، تقول أمه: “في أول زيارة لي إلى سجن الأحداث رأيته وقد تورمت إحدى عيناه، فسألته “من شو هيك عينك”، فرد الطفل أحمد: “ياماما في المحكمة طلب مني ضابط أن أقبل بوطه العسكري فرفضت فضربني علي عيني”.
وبعدها بأيام وتحديدًا في 23 آب من العام 2012، يصل خبر موت أحمد لأمه، والحجة كانت أن واحدًا ممن كان معه خنقه بحبل وقتله.
تعلق أم أحمد: “لاأنسى عندما رأيته وهو ميت والحبل الذي خنقوه فيه قد ترك علامات حمراء على رقبته .. قتلوا طفلي أحمد قتلوه وهو صائم أيضًا”.
وفي تشييع أحمد “كان أمن بشار الأسد وشبيحته قد طوقوا المكان، وجهزوا بندقياتهم على وضع الإطلاق حتى لا يتفوه الأهل لأحد بأي كلمة”، تختم الأم الثكلى كلامها بالعبرات والشهقات كما بدأته.
ومأساة أم أحمد تبقى واحدة ضمن آلاف آخرى لم يكشف عنها بعد، فرغم إسقاط نظام بشار الأسد، في كانون أول 2024، غير أنه ما يزال 4536 طفلًا في عداد المختفين قسريًا، وفق أحدث إحصاءات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.