نيويورك تايمز: دول الخليج تقود جهود إعادة الإعمار والاستثمار في “سوريا الجديدة” بعد سقوط النظام

قالت صحيفة نيويورك تايمز، في تقرير نشرته أواخر الشهر الماضي، إن دول الخليج العربي تسارع إلى توسيع نفوذها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد البائد، مستفيدة من الفراغ الذي خلّفه تراجع النفوذ الإيراني في البلاد.

ووفق التقرير، فإن حكومات وشركات من دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية وقطر، تحركت بسرعة لدعم سوريا واستثمار مواردها، عقب الإطاحة “المفاجئة” بالأسد في ديسمبر الماضي على يد تحالف من الفصائل المعارضة.

وأشار التقرير إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أعلن خلال زيارة رسمية إلى السعودية، في أيار/مايو الماضي، تعليق العقوبات الأمريكية على سوريا، وهو ما وفر دفعة قوية وضمانة إضافية للمستثمرين الخليجيين والدوليين.

وقد وصف وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، المرحلة التي تمر بها سوريا والمنطقة بأنها “نقطة تحول”، عقب لقاء جمع الشرع بالرئيس ترمب في الرياض.

وقال الأمير فيصل، إن المرحلة التي نمر بها “صعبة وخطيرة”، لكنها أيضًا تحمل فرصًا “استثنائية إذا تمكنا من التكاتف لدعم الشعب السوري وحكومته في بناء سوريا مزدهرة ومستقرة وآمنة”، مما سينعكس إيجابًا على المنطقة بأسرها.

وبحسب الصحيفة، فقد سددت السعودية وقطر ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي، والبالغة 15.5 مليون دولار، ما يؤهلها للحصول على منح تمويل لإعادة الإعمار بعد حرب استمرت نحو 14 عامًا.

وفي هذا السياق، أعلنت شركات طيران مملوكة لدول خليجية استئناف رحلاتها إلى العاصمة دمشق، في مؤشر رمزي على انتهاء عزلة سوريا الإقليمية، كما وقعت شركة “دي بي وورلد” الإماراتية مذكرة تفاهم بقيمة 800 مليون دولار مع الحكومة السورية لتطوير ميناء طرطوس على البحر المتوسط، وهو ميناء استراتيجي كان يؤوي قاعدة بحرية روسية خلال الحرب.

ويذكر التقرير أن إيران كانت الحليف الأبرز لنظام الأسد، ووفرت له الدعم العسكري والمالي لقمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت عام 2011، والتي تطورت إلى حرب دامية استمرت أكثر من عقد.

ويعتبر الخليج أن تراجع النفوذ الإيراني، الذي تعمّق بعد مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري في الحرب الأخيرة مع إسرائيل، يمثل “فرصة لتقديم نموذج بديل للمنطقة” يقوم على التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي.

ونقلت الصحيفة عن أستاذ التاريخ المساعد بجامعة الكويت، بدر سيف، قوله إن “دول الخليج ترى في سوريا فرصة لإعادة تشكيل النظام الإقليمي”، مضيفًا أن الفرصة اليوم هي للتركيز على “الحاجات الأساسية للناس”، مثل الكهرباء، الماء، الخدمات.

ويرى التقرير أن النهج الخليجي الجديد تجاه سوريا يعكس مرونة في السياسات الخارجية لهذه الدول، بعد أن كانت معظمها، باستثناء قطر، قد بدأت العام الماضي بالتقارب مع نظام الأسد قبل سقوطه.

التحول نحو “سوريا الجديدة”

قالت كريستين ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، إن الرئيس الشرع “أقنع الجميع بأنه يمكن الوثوق به لقيادة هذا التحول”، مضيفة أن الرهانات في دعم سوريا الجديدة “عالية، وكذلك المخاطر من انهيار محتمل للدولة”.

وتشير الصحيفة إلى أن السعودية، التي يعاني سكانها من تفشي تهريب المخدرات عبر حدودها الطويلة مع سوريا، تراهن على استقرار الحكومة الجديدة بقيادة الشرع، الذي نشأ في السعودية وكان ينتمي إلى “جماعة جهادية صنفت سابقًا إرهابية” من قبل المملكة، قبل أن يتحول إلى سياسي براغماتي.

وفي مقابلة صحفية أجريت في أيار/مايو الماضي، قال الرئيس الشرع إن الأمر لم يعد يتعلق “بالأيديولوجيا، بل يتعلق بتوفير سبب للناس للبقاء، للعيش، وللإيمان”.

وتعكس التحولات الجارية في سوريا والسعودية معًا، بحسب التقرير، توجهًا نحو “براغماتية سياسية” تعطي الأولوية للتنمية والازدهار، إضافة إلى الإمارات، التي تسير في الاتجاه ذاته.

ودعا رجل الأعمال الإماراتي البارز، خلف الحبتور، إلى الاستثمار في سوريا، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: “رغم كل الجراح، تثبت سوريا أنها ما زالت أرض الحياة والعمل والطموح. استثمروا في عقولها وطاقة أبنائها النبلاء الذين لا يعرفون الهزيمة”.

وخلص بدر السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت، إلى أنه وعلى الرغم من الأزمات التي ما تزال تعصف باليمن وليبيا والسودان، فإن ما يحدث في سوريا هو “قصة إيجابية نادرة في منطقة طغى عليها الدم والقمع والفقر”، مشيرًا إلى أن “خليجًا سليمًا” لا يمكن أن يكون دون وجود “منطقة سليمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist