مناشدات عبر “سوريا الجديدة”.. جفاف نهر العاصي في حماة يفجّر أزمات بيئية وصحية

في مشهد غير مألوف بالنسبة لمدينة “النواعير”، يشهد نهر العاصي في حماة جفافًا غير مسبوق، مع انخفاض منسوب المياه إلى مستويات حرجة، ما أدى إلى انعدام الحياة المائية، وظهور مشاكل بيئية وصحية، أبرزها انتشار الحشرات والروائح الكريهة، إضافةً إلى تأثر ريّ المزروعات وتوقف أعمال الصيد.

يقول “أبو محمد”، أحد أصحاب البساتين القريبة من النهر، في حديثه لـ”سوريا الجديدة”، مجسدًا ملامح المعاناة اليومية التي تعيشها المدينة، إن المزارعين يعتمدون منذ سنوات “على النهر في سقاية البساتين”، موضحًا أن “الجفاف قد قتل كل شيء”، إضافةً للحشرات والروائح الكريهة” التي تنبعث من النهر.

أما “أبو خالد”، من سكان حي الحاضر، فيصف حال النهر اليوم بأنه أصبح “مكبًا للنفايات”، مشيرًا إلى أن “المياه الملوثة تجلب الأمراض والحشرات الضارة”، كما أن الأهالي التي اعتادت الجلوس على أطراف النهر اضطرت “للتخلي عن تلك العادة نتيجة الروائح والنفايات”، مطالبًا مجلس المدينة بإيجاد حل جذري لهذه المشكلة، قبل أن تتحول إلى “كارثة بيئية”.

مشاريع تنظيف محدودة.. وأسباب خارجة عن السيطرة

أشار المهندس في مجلس مدينة حماة، محمد مشعان، في تصريح خاص لـ”سوريا الجديدة”، إلى أن تنظيف مجرى نهر العاصي “لا يمكن أن يتم ضمن مرحلة واحدة أو في فترة زمنية قصيرة”، موضحًا أن “النهر يمر بعدة بلدات وأحياء، والتنظيف يجب أن يكون مقسّمًا لقطاعات”، كما حصل في حملة “حماة تنبض من جديد” التي أطلقتها المحافظة بالتعاون مع مجلس المدينة.

وأشار مشعان إلى أن المشروع الذي نُفذ شمل تقسيم مجرى النهر داخل المدينة إلى 7 قطاعات، لكن “توقف المشروع كان ضروريًا بسبب الحاجة لفتح مياه النهر في فترات محددة”، مؤكدًا أن ما جرى هو مرحلة أولى فقط، ويجب استكمال العمل عبر حلول أشمل.

ومن بين المقترحات التي طرحها المهندس شعبان هي “معالجة مياه الصرف الصحي والحد من التلوث الصناعي”، إضافةً إلى تحسين إدارة النفايات الصلبة، والتوعية المجتمعية، و”التعاون الإقليمي بين الدول التي يمر بها نهر العاصي”.

أسباب طبيعية وبشرية وراء الأزمة

وفي سياق متصل، أوضحت مديرية الموارد المائية أن العام “الهيدرولوجي” 2024-2025 هو من أكثر الأعوام “جفافًا خلال قرن”، نتيجة انخفاض الهطولات المطرية وانعدام تساقط الثلوج، حتى في منبع النهر في هضبة الهرمل داخل الأراضي اللبنانية.

وقال المهندس محمد عبد الوهاب حسين، في تصريحات نقلتها قناة “الإخبارية”، إن كمية الأمطار بلغت 141 ملم فقط من أصل 400 ملم كمعدل سنوي، ما تسبب بانخفاض تصريف نهر العاصي إلى أقل من 0.5 متر مكعب بالثانية عند دخوله سد الرستن.

ورأى حسين أن الجفاف لا يعود فقط للعوامل المناخية، بل أيضًا لضغوط استهلاكية تشمل مياه الشرب والمنشآت الصناعية والري، مضيفًا أن “هذه الأنماط من الاستهلاك، في ظل انعدام الموارد، شكّلت عبئًا كبيرًا على التوازن المائي”.

وتسعى مديرية الموارد المائية لإعادة التوازن إلى نهر العاصي عبر عدة خطوات، مثل إعادة النظر في السياسات الزراعية لتتناسب مع المناخ الجاف، وعدم تحميل النهر التزامات مائية إضافية، وتطبيق أنظمة التدوير المغلقة في المنشآت الصناعية.

كما أشار المهندس إلى أن تقنيات الري حديثة في مشاريع “سد قطينة وسد الرستن” يمكن أن تمنح توازنًا إضافية لاستهلاك الماء، بالإضافة لتنفيذ عدة حلول إسعافية لتجنب الكارثة.

وأكد حسين أن البنية التحتية للسدود، رغم جاهزيتها، لا تكفي دون استراتيجيات ترشيد وتوزيع ذكي للمياه، مضيفًا أن “المواجهة الحقيقية تبدأ من التكيف مع الواقع المناخي المتغير”.

وانطلاقًا من هذه التداعيات، دعا مدير الموارد المائية إلى تبنّي نهج وقائي يقوم على “إدارة الطلب”، وليس فقط تلبية الاحتياجات، من خلال “رفع الوعي بأهمية ترشيد الاستهلاك في كل القطاعات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist