أعلنت مؤسسة مياه حلب في الرابع والعشرين من شهر نيسان/أبريل الجاري، عن توقف ضح المياه من محطة البابيري شرق مدينة حلب نتيجة تعرضها “للتخريب من قبل مجهولين”. وتعرض بناء رأس القناة والبوابة للتخريب والسرقة، مما أدى لتسريب المياه من القناة وتوقف الضخ إلى عدة أحياء مدينة حلب، وتم إصلاح العطل الحاصل في المحطة واستئناف الضخ إلى القناة في اليوم التالي، بحسب ما أعلنته الهيئة العامة للموارد المائية بجهود مشتركة بين محافظة حلب والهلال الأحمر السوري.
قال مدير الموارد المائية والاستصلاح الزراعي في حلب، أحمد الأحمد لموقع “سوريا الجديدة” إن “المحطة تعتبر الشريان الرئيسي لمحافظة حلب، حيث تغذي المؤسسة العامة لمياه الشرب، والمحطة الحرارية بغرض التبريد والمدينة الصناعية بغرض الصناعة في معامل الشيخ نجار”.
ويؤكد الأحمد بأن “هناك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية تعتمد على المياه من هذه المحطة في ريفي حلب الشرقي والجنوبي، بالإضافة لمنطقة تادف والباب، خصوصاً مع شح الأمطار والجفاف لهذا العام” ويرى الأحمد المحطة أشبه بالشريان الذي إذا انقطع عطشت حلب، وتضررت زراعتها في الضواحي القريبة وفي الريف البعيد.
وتغذي المحطة أحياء الفرقان وحلب الجديدة، ومناطق من سيف الدولة والأعظمية في مدينة حلب، ومن المتوقع أن يُسهم هذا الإجراء في دعم الواقع الزراعي والخدمي، وتخفيف آثار الجفاف في المنطقة، بحسب هيئة الموارد المائية، وبحسب مصادر خاصة لموقع “سوريا الجديدة” فقد تم إعادة إصلاح المحطة للمرة الأولى في الـ 21 من نيسان/أبريل الجاري، بعد توقف دام أكثر من خمسة أشهر، كما جرى إعادة تأهيل الساقية الممتدة من محطة البابيري إلى مدينة السفيرة بطول 60 متراً، بعد إصلاح التصدعات الموجودة على طول خط الساقية.
وتروي الساقية نحو 35 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، بمعدل يصل إلى 70 متراً مكعبا، مما يسمح لدعم الزراعة المحلية وسط الجفاف وقلة الأمطار، وفي التاسع عشر من آذار/مارس الماضي أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي عن تنفيذ أعمال صيانة في محطة المعالجة بمنطقة الخفسة ومحطة ضخ البابيري شرق حلب، بالإضافة لتحديث أنظمة التشغيل الآلية لتحسين جودة المياه وضمان استمرار عملية الضخ.
تأهيل شبكات المياه
ويرى الأحمد أن المحطات كانت بوضع سيء، حيث تعرضت للسرقة والإهمال في عهد النظام البائد، مثل محطات تادف والباب في ريف حلب التي تعرضت لسرقة المحركات ولوحات التحكم والتدمير الكلي، وقال بأنه “تم صيانة بعض المضخات بالتنسيق بين هيئة الموارد وبعض المنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، والصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري، للبدء بضخ المياه وتأمينها لمحافظة حلب وريفها”.
وفي الثالث من نيسان/أبريل الحالي، أعلن صندوق إعادة إعمار سوريا (SRTF) عن انتهاء أعمال تأهيل محطة ضخ المياه في ناحية اعزاز شمال حلب، وهي محطة واحدة من ضمن أربع محطات مخطط لها سيستهدفهم المشروع، وبحسب الصندوق، فإن المشروع سيهدف إلى توفير إمدادات مياه شرب نظيفة أكثر أماناً وسهولة الوصول إليها من خزان المياه الرئيسي لسكان المنطقة، وبالتالي الحد من انتشار الأمراض المنقولة بالمياه والمخاطر الصحية، وزيادة وصول الأفراد إلى المياه وتحسين الظروف المعيشية للأسر.
وتبلغ كلفة المشروع 1.57 مليون يورو، وسيعود بالنفع على أكثر من 168 ألفاً و366 نسمة، بالإضافة لخلق 200 فرصة عمل، وتدريب 30 فرداً على إدارة وتشغيل المحطات، وري 23 دونم من الأراضي.
بينة تحتية مدمرة
بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، وصلت نسبة الأضرار في البنية التحتية والأصول الزراعية في سوريا إلى 3.2 مليار دولار، وهو ما يمثل نصف إجمالي الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي، ويشمل ذلك الآلات كالشاحنات والمباني والتعاونيات والمزارع التجارية، إضافةً إلى المرافق المستخدمة في أمور مثل التخزين والمعالجة، بالإضافة إلى قنوات الري والآبار.
وفي تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، قالت المنظمة إن 60% من الأسر أفادت بتضرر بنيتها التحتية بشكل كبير، وترتفع هذه النسبة إلى مابين 70% و90% في بعض المحافظات التي تتركز في المناطق الأكثر رياً، مثل محافظات الحسكة وحلب والرقة، وذلك خلال الفترة مابين 2011 إلى 2015، ومنذ عام 2011، دعمت منظمة الأغذية والزراعة سبل العيش والأمن الغذائي لأكثر من 2.4 مليون سوري في المناطق الريفية وشبه الحضرية في حلب والحسكة ودرعا ودير الزور وحماة وحمص وإدلب وريف دمشق والسويداء والقنيطرة.
محطة البابيري
بطول 55 كيلو متر، بدأ العمل بتنفيذ قناة جر من نهر الفرات إلى نهر قويق في العام 2004، لتنتهي أعمال المشروع في العام 2008، وتدخل القناة الى مدينة حلب عبر شلّال بالقرب من مخيم حندرات، وتمر في المدينة بمسافة ثمانية عشر كيلو متراً إلى منطقة الشيخ سعيد، حيث بنيت هناك محطة لمعالجة المياه.
وتبدو القناة شبه المنحرفة المكسوة بالإسمنت المسلح، بكلفة مليارين ومئة مليون ليرة سورية، عندما كان سعر (1 دولار = 45 ليرة سورية)، ضمنت تدفقاً بنحو تسعين متراً مكعباً في الثانية من محطة البابيري التي تستمد مياهها من بحيرة الثورة، لتروي آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، نحو (197 ألف هكتاراً)، إضافة لاستصلاح نحو خمسة وستين ألف هكتار في ريف حلب الجنوبي.
وأعيد كشف سرير النهر داخل المدينة، وأُنشِئت حوله المتنزهات والمطاعم، ورمم المجرى الذي يمر وسط المدينة ليغدو مكاناً يقصده الأهالي، خاصة في المنطقة الممتدة على طول (شارع الفيلات) وصولاً إلى الحديقة العامة، وتوقف تدفق مياه البابيري نحو نهر قويق مجدداً في العام 2012، بعد انطلاق الثورة السورية وحرب النظام البائد ضدها، ليعيد للنهر سيرته الأولى، ويحرم سكان المناطق في أرياف حلب الشرقية والجنوبية الاستفادة من مياهه في ري مشروعاتهم الزراعية، ما تسبب بجفاف كبير في هذه المناطق، وفقدان محاصيل استراتيجية كانوا قد اعتمدوا على مياه النهر في زراعتها كالقطن والخضار الصيفية، كذلك القمح المروي، وتحولت الأراضي الزراعية، في معظمها، إلى الزراعة البعلية، وهجر قسم من السكان حقولهم للبحث عن مصدر رزق جديد، كذلك عاد النهر إلى مصب للمياه العادمة والصرف الصحي ومخلفات المعامل من جديد.
في الفترة التي سيطر فيها الثوار السوريون على أجزاء واسعة من محافظة حلب، كانت محطة الضخ في يدهم لبضع الوقت لكن سرعان ما خسروها لصالح تنظيم داعش في العام 2014،والذي بات يتحكم بمصير أهالي حلب، وأوقف ضخ المياه فترات طويلة، ومن ثم أحكمت قوات النظام البائد قبضتها على المحطة عندما وصلت إلى مشارف بلدة الخفسة في ريف حلب الشرقي، والتي تحتل مكانة استراتيجية مهمة، باعتبارها تحتوي محطة تغذية المياه الرئيسية لمدينة حلب، وذلك في العام 2017، حينها تمكنت من السيطرة على كامل الريف الجنوبي لمدينة الباب التي عانت كثيراً بدون مياه حتى أواخر العام 2024.
وتقع الخفسة في الريف الجنوبي لمدينة منبج، على الضفاف الغربية لنهر الفرات، وأسست بجانبها محطة مياه خاصة بمدينة حلب، لتوفر إلى جانب محطة “البابيري” نحو 550 ألف متر مكعب من المياه للمدينة، عبر أربع قنوات جر.