يقف أحمد مازوني، وهو عامل مياومة، في طابور طويل أمام أحد الأفران في حمص، ينتظر دوره ليحصل على ربطة خبز، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وصعوبة إيجاد عمل بشكل منتظم.
يقول أحمد في حديث خاص لوكالة سوريا الجديدة: “أنا شغلي على اليومية، ومو كل يوم بلاقي شغل، بس الخبز سعره ثابت ماعم ينزل، وكأنو الناس كلها معها مصاري”.
ويضيف قائلًا: “الجودة نص نص، ولما بيكون في طابور بيعطونا خبز ما بيناكل، يا يابس يا طري زيادة، يعني عم ندفع حق شي، وناخد شي تاني تمامًا”.
تعكس تجربة أحمد معاناة يعيشها العديد من السوريين في مختلف المناطق، فمع استمرار تدهور الوضع الإنساني في سوريا، تعود أزمة الخبز إلى الواجهة باعتبارها واحدة من أبرز مظاهر الانهيار المعيشي.
بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، فإن أكثر من نصف السكان “باتوا يعانون من تراجع الأمن الغذائي”، في بلد يرزح تحت وطأة نزاعات طويلة ومشكلات اقتصادية خانقة.
ويشير التقرير إلى أن نحو 3 ملايين شخص في سوريا “مهددون بانعدام الأمن الغذائي الحاد”، في وقت يعيش أكثر من 7 ملايين نازح داخلي نتيجة تدمير البنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية.
ورغم جهود برنامج الأغذية العالمي الذي يقدّم مساعدات شهرية لنحو 1.5 مليون شخص، وفقًا للتقرير، إلا أن نقص التمويل يشكل عقبة كبرى، إذ يحتاج البرنامج إلى 335 مليون دولار لتمويل عملياته الطارئة والإنعاشية في سوريا لعام 2025.
شراكة أممية لدعم المخابز
قال زياد الحسن، مدير فرع حمص للمؤسسة السورية للمخابز، في تصريح خاص لوكالة سوريا الجديدة، إن البرنامج الجديد الذي أطلق بالتعاون بين وزارة الاقتصاد وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) لدعم إنتاج الخبز، ينطلق رسميًا هذا الأسبوع، مستهدفًا 64 مخبزًا في 6 محافظات “تعد من الأكثرعوزًا”.
وأوضح الحسن أن البداية ستكون من ريف حمص، في مخابز الرستن، القصير، والمخرم، اعتبارًا من 2 حزيران الجاري، على أن يُباع الخبز المدعوم بسعر 2400 ليرة سورية للربطة (1200 غرام) لمدة شهر، قابلة للتجديد حتى ثلاثة أشهر.
وأضاف: “نحن نتحدث عن كميات يومية كبيرة في مخابز الريف، حيث نحتاج 16 طنًا من الدقيق في الرستن لإنتاج نحو 15 ألف و600 ربطة، و12 طنًا في القصير لنحو 11 ألف و700 ربطة، و11 طنًا في المخرم لإنتاج 10 آلاف و725 ربطة.
ويشير مدير فرع حمص إلى أن التوزيع سيتم مباشرة من “كوة المخبز وعبر المعتمدين”، دون أي تغيير في ساعات العمل المعتادة.
وأكد الحسن أن توسيع المشروع ليشمل جميع المخابز في محافظة حمص يتوقف على “قرارات وزارة الاقتصاد”، مشيرًا إلى أن التعليمات الحالية تشمل فقط المخابز الثلاثة المذكورة.
يقول محمد، أحد سكان مدينة حمص، ويعمل كموظف حكومي براتب لا يتعدى 400 ألف ليرة سورية: “يتوجب عليّ تخصيص ما يقارب نصف راتبي فقط لمادة الخبز، ولسا ما حكينا عن المي والكهربا والإيجار وغيره، الربطة الواحدة سعرها 4000 ليرة وما عم تكفيني ليوم واحد”.
ويضيف، في حديثه لموقع سوريا الجديدة: “جودة الخبز ليست جيدة أبدًا، ووقت الازدحام بصير رغيف الخبز مأساوي، خصوصًا بهالأيام ونحن مقبلين على العيد، بس شو نعمل ما عنا بديل”.
تعاون مشترك للمحافظات “الأكثر احتياجًا”
قال نائب وزير الاقتصاد والصناعة لشؤون التجارة الداخلية، المهندس ماهر خليل الحسن، إن الاتفاقية تستهدف، في مرحلتها الأولى، المحافظات الست “الأكثر احتياجًا”، على أن يبدأ التنفيذ من محافظة درعا في 29 أيار الحالي، ويتوسع لاحقًا ليشمل بقية المحافظات.
وأشار الحسن، في تصريح لوكالة “سانا”، إلى أن هذه الخطوة تأتي “ضمن جهود الحكومة لتحسين الوضع المعيشي وتأمين المواد الأساسية وعلى رأسها الخبز”، مؤكدًا أن الشراكة مع برنامج الأغذية العالمي تفتح أبواب تعاون واسعة في مجالات متعددة، مع استعداد الحكومة لتقديم كل التسهيلات المطلوبة.
من جانبها، أعربت المديرة القطرية لبرنامج الغذاء العالمي في سوريا، ماريان وارد، عن رغبة البرنامج بتطوير التعاون مع الجانب السوري، وذلك “بهدف تحسين مستوى المعيشة وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين”.
وأوضحت وارد أن الدعم سيشمل مليوني مواطن، بكمية 40 ألف طن من الدقيق، تُوزع على مراحل متلاحقة حتى نهاية 2025، مع إمكانية التجديد حسب الحاجة الفعلية.
تغيرات في سياسة الخبز.. من تحرير الأسعار إلى خفض الوزن
شهدت سياسة الخبز في سوريا تغيرات كبيرة مؤخرًا، أبرزها تحرير ربطة الخبز من قيود البطاقة الذكية بعد سقوط النظام البائد، ما رفع وزنها من 1100 إلى 1500 غرام، وعدد الأرغفة من 7 إلى 12، لكن رفع السعر من 400 إلى 4000 ليرة سورية (قرابة 0.5 دولار أمريكي) أثار استياء شعبيًا واسعًا.
ولحماية المخزون القمحي، أصدرت وزارة التجارة الداخلية في الحكومة السورية قرارًا، في شباط/فبراير الماضي، بخفض وزن الربطة إلى 1200 غرام دون تغيير عدد الأرغفة، وفقًا لتصريحات محمد الصيادي، المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز.