أجرى مراسل وكالة سوريا الجديدة جولة ميدانية إلى مخيم “سجو” قرب مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، حيث التقى بعدد من سكان المخيم الذين وجهوا مناشدة عاجلة إلى الجهات المعنية، وعلى رأسها الحكومة السورية، من أجل التدخل السريع لحل أزمة القمامة والصرف الصحي التي تتفاقم مع دخول فصل الصيف.
ويعاني المخيم، الذي يأوي آلاف النازحين من مختلف المحافظات السورية، من تدهور حاد في خدمات النظافة والصرف الصحي، نتيجة توقف الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية، حيث يعود بداية فتيل الازمة مع انخفاض التمويل الدولي المخصص للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام البائد، لا سيما بعد قرار الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) نهاية عام 2023، بتقليص برامج التمويل في معظم الدول، باستثناء مصر وإسرائيل.
أمراض وأوبئة تهدد السكان
يقول علي شروخ، أحد سكان المخيم، إن “أكثر المشاكل التي نواجهها هي تراكم النفايات وغلاء المياه، إذ يصل سعر خزان المياه سعة 2000 لتر إلى 200 ليرة تركية (حوالي 5 دولارات)، وهذا فوق طاقة كثير من العائلات”. ويضيف بأنه لم يتمكن من العودة إلى منزله في حلب بسبب “الدمار”، ومشيرًا إلى ان نسبة من عادوا من المخيم إلى بيوتهم “لا تتجاوز 15 %”.
وأوضح شروخ أن انقطاع خدمة إزالة القمامة منذ أشهر أدى إلى انتشار أمراض جلدية وأوبئة مثل اللشمانيا، بسبب تجمعات مياه الصرف الصحي، مشيرًا إلى أن ما يتم جمعه من أموال من بعض القادرين من الأهالي “لا يكفي لتغطية التكاليف اللازمة للنظافة والتعقيم”.
غياب تام للدعم واستنزاف السكان
من جانبه، قال كمال هدال، نازح من حي المرجة في حلب، ويقطن في المخيم منذ 11 عام، إن “قلة المياه وتراكم القمامة يهددان حياة الأطفال وكبار السن بالأمراض، خاصة في فصل الصيف حيث الحرارة والرائحة الكريهة تملأ الأجواء”.
ويتابع بأن سكان المخيم اتهجوا لجمع المال من بعضهم رغم صعوبة ذلك، لكن هذه المبالغ “لا تكفي سوى لأيام قليلة”، حيث قلة فرص عمل، انقطاع الدعم عن المخيمات بالكامل ساهم بتعميق الأزمة، حتى أن إدارة المخيم تتألف من متطوعين من الأهالي “لا يتقاضون أجورًا”.
ووجّه هدال مناشدة إلى “الدولة السورية” من أجل التدخل، مؤكدًا أن الأهالي لم يعودوا قادرين على التحمل، “فلا هم قادرون على العودة لمنازلهم، ولا يملكون المال لإعادة الإعمار، ولا يجدون الحد الأدنى من مقومات العيش هنا، على عكس الوعود التي قُدمت سابقًا بالعودة الكريمة”.
إدارة عاجزة وخدمات متوقفة منذ أشهر
بدوره، قال هدال هدال، مدير المخيم، إن خدمات المياه وترحيل القمامة توقفت منذ 1 شباط/فبراير الماضي بعد انتهاء المشروع الممول آنذاك، دون تجديد أو تعويض من أي جهة مانحة.
وأكد هدال أنهم تواصلوا مع عدد من المنظمات المعنية، لكن الرد كان دائمًا بأن “لا توجد مشاريع تغطي هذا النوع من الخدمات حاليًا”، ما اضطر الإدارة لجمع تبرعات من الأهالي، لكن هذا الخيار لم يعد ممكنًا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية للسكان.
أزمة إنسانية شاملة في شمال غرب سوريا
في سياق متصل، حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) من أن التمويل المتوفر لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية لملايين السوريين في شمال غرب البلاد. ووفق تقرير صادر في آذار/مارس 2025، فإن خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا لم تتلقَّ سوى 12.5% من التمويل المطلوب، والبالغ 1.25 مليار دولار، ما يُعرّض حياة الملايين للخطر.
وأشار التقرير إلى أن أكثر من 100 مركز صحي ومرفق إنساني “أُغلق منذ بداية عام الحالي” بسبب تراجع التمويل، وهو ما فاقم من معاناة النازحين في المخيمات، لا سيما مع حلول فصل الصيف وانتشار الأمراض المرتبطة بسوء خدمات المياه والإصحاح.
كما حذّرت منظمات تابعة للأمم المتحدة من أن وقف أو تقليص المساعدات الإنسانية، خصوصًا في قطاعي الغذاء والصحة، قد يدفع الوضع الإنساني إلى نقطة الانهيار.
وتشير دراسة صادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في حزيران/يونيو الماضي إلى أن أكثر من 16.5 مليون شخص داخل سوريا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينهم 7.4 مليون نازح داخلي و4.4 مليون لاجئ في دول الجوار، في وقت تتراجع فيه الاستجابة الدولية بشكل ملحوظ.
وفي ختام جولة مراسنا، وجّه أهالي مخيم سجو، عبر وكالة سوريا الجديدة، مناشدة عاجلة إلى الحكومة السورية والجهات المعنية والمنظمات الإنسانية من أجل التدخل السريع لتوفير الخدمات الأساسية، وعلى رأسها المياه وترحيل القمامة، محذرين من أن استمرار هذا التدهور سيؤدي إلى كارثة صحية وبيئية وشيكة في المخيم.