أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري، اليوم، أنها أنهت إعداد تقريرها النهائي وسلمته إلى رئاسة الجمهورية، وذلك بعد أربعة أشهر من العمل الميداني والمشاورات مع جهات محلية ودولية.
وقال رئيس اللجنة، القاضي جمعة العنزي، إن التقرير “يوثق سلسلة من الانتهاكات التي طالت المدنيين والعسكريين” في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة خلال شهر آذار/مارس الماضي، ويوصي باتخاذ إجراءات تشريعية وقضائية للحد من التوترات الطائفية وتحقيق العدالة.
وذكرت اللجنة في مؤتمرها الصحفي أن الفريق زار “33 موقعًا ميدانيًا”، واستمع إلى “938 إفادة” من شهود عيان، بينهم ناجون من الأحداث وأقارب للضحايا، كما شملت الإفادات 452 حالة قتل و486 حالة تتعلق بحرق منازل ومحال تجارية وسلب مسلح وتعذيب.
وأضاف المتحدث باسم اللجنة، ياسر فرحان، بأن اللجنة تحققت من مقتل “1,469 شخصًا بينهم 90 امرأة”، بالإضافة إلى 238 من عناصر الأمن والجيش، بعضهم قتل أثناء الأسر أو بعد استسلامه، وفق ما أوردته اللجنة.
من المسؤول عن الانتهاكات؟
أشار المتحدث باسم اللجنة، ياسر فرحان، إلى أن اللجنة تمكنت من تحديد هويات “298 شخصًا” من المشتبه بتورطهم في الانتهاكات، بينهم عناصر في فصائل عسكرية ومجموعات غير نظامية، إضافة إلى أسماء تعود لأفراد مرتبطين بمجموعات مسلحة خارجة عن القانون، أُطلق عليهم توصيف “الفلول”، وقد أحيلت لائحتان أوليتان بأسماء المشتبه بهم إلى النيابة العامة.
وشددت اللجنة على أن الدوافع وراء كثير من الانتهاكات التي وقعت كانت في معظمها “ثأرية الطابع” أكثر من كونها أيديولوجية، وأن الانتهاكات، رغم خطورتها لم تكن ممنهجة بالكامل، إذ اختلف سلوك المجموعات المنفذة من منطقة إلى أخرى، ومن فرد إلى آخر.
وأكدت اللجنة في مؤتمرها أن التحقيق استند إلى “الرصد المباشر وفحص الأدلة الرقمية والإفادات والوثائق” وأن خلاصاته مبنية على “درجة معقولة من الشبهة” وليس على أدلة قاطعة، انسجامًا مع طبيعة التحقيق غير القضائية. ولفت المتحدث باسم اللجنة إلى أن العديد من الشهود طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لدواعٍ أمنية.
توصيات إلى الحكومة السورية
وتضمن التقرير توصيات تشريعية، أبرزها تجريم التحريض الطائفي، وملاحقة المتهمين الفارين من العدالة، واستكمال إجراءات العدالة الانتقالية، كما أشارت اللجنة إلى أن الدولة كانت قد “أصدرت تعليمات واضحة لحماية المدنيين”، وأن بعض الانتهاكات نتجت عن تصرفات فردية أو جماعية خارجة عن الأوامر العسكرية.
وأكد القاضي العنزي أن “اللجنة أوصت بالمضي بشكل عاجل وفاعل وملموس في تدابير العدالة الانتقالية، وملاحقة المتورطين الفارين من العدالة من قيادات نظام الأسد وعناصره، بوصفهم خطرًا على مجتمعاتهم”.
وشدّد على أهمية مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصدّق عليها، موضحًا قوله “نوصي بمواءمة القوانين الوطنية والنظام القضائي الموروث من العهد البائد مع الاتفاقيات الدولية، عملًا بنص الإعلان الدستوري، والتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري”.
كما دعت اللجنة إلى إطلاق برامج لجبر الضرر للضحايا وفق الأصول القانونية، وإيلاء الأولوية لمشاريع حوكمة مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، واستقدام المعدات والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيز سبل احترام حقوق الإنسان وسلامة موظفي الدولة، بالإضافة لإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، تكون مرجعية لحماية الحقوق وتعزيز الحريات.
واختتمت اللجنة إحاطتها بالتأكيد على أنها “عملت باستقلالية وحياد”، باعتبار أن معظم أعضاء اللجنة “قدموا من الخارج ولا يتبعون للدولة”، بحسب ما قال رئيس اللجنة، كما أن اللجنة تواصلت مع جهات دولية معنية، منها الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، بهدف ضمان التزام التحقيق بالمعايير الدولية.
وكانت الحكومة السورية شكلت اللجنة بعد أسبوع من التوتر الأمني الذي شهدته منطقة الساحل السوري في 6 آذار الماضي على وقع هجمات منسقة لفلول النظام البائد ضد دوريات وحواجز أمنية، مما أوقع قتلى وجرحى.