تشهد سوريا هذا العام، و ريف حلب الجنوبي بشكلٍ خاص، موسم زراعي قاسٍ نتيجة موجة جفاف غير مسبوقة ضربت سوريا، وصفتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) بأنها “الأسوأ” منذ 1989.
ووفقًا لتقارير أممية، فإن انخفاض كميات الأمطار هذا الشتاء أدى إلى “فشل شبه كامل” في إنتاج القمح، مع عجز يقدر بحوالي 2.73 مليون طن متري، أي ما يعادل احتياجات غذائية لأكثر من 16 مليون شخص.
في هذا السياق الصعب، يواجه الفلاحون في ريف حلب الجنوبي أعباء متزايدة من تداعيات الجفاف وغلاء مدخلات الزراعة، ما جعل من زراعة الأرض تحديًا مضنيًا يرهقهم جسدًا وروحًا.
وقال أحد فلاحي بلدة الحاضر بريف حلب الجنوبي، عبد الكريم الأسعد، إن الموسم الحالي كان “سيئًا للغاية نتيجة الجفاف”، موضحًا أن الأراضي البعلية “لم تنتج شيئًا بسبب انعدام الأمطار”، بينما تراجع إنتاج الأراضي المروية بسبب “قلة الري الناتجة عن ضعف الإمكانيات المادية وارتفاع التكاليف”.
وأضاف الأسعد، في تصريح خاص لوكالة سوريا الجديدة، أن أسعار المحروقات والبذار والأسمدة “أثرت سلبًا على المساحات المزروعة وجودة الإنتاج”، إذ عجز المزارعون عن استخدام المبيدات والأسمدة كما ينبغي، ما أدى لانخفاض الإنتاج وانخفاض “وحدة الوزن في وحدة المساحة”.
تأثير الأمطار على الإنتاج
يقول المهندس الزراعي حسين عبيد، في تصريحات خاصة لوكالة “سوريا الجديدة” إن نقص الأمطار “كان له تأثير بالغ على الإنتاج الزراعي هذا الموسم”، إذ أن الأراضي البعلية لم تسجل إنتاجًا يذكر، مما سبب بخسائر مباشرة للمزارعين من حيث تكلفة فلاحة الأرض وبذورها، التي ذهبت هدرًا دون عائد.
وأضاف عبيد أن الأضرار لحقت بالأراضي المروية أيضًا، فقد تضررت “بسبب قلة عدد الريات المتاحة، التي ترتبط بشكل مباشر بحجم الأمطار والقدرة المالية المحدودة للمزارع على تشغيل محطات الضخ”.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار المحروقات، والبذار، والأسمدة، بالإضافة إلى تكاليف صيانة المعدات، أدى إلى “تقليص المساحات المزروعة بشكل كبير”، مما خلف تراجعًا في وزن المحصول في الهكتار الواحد، مع انخفاض جودة الإنتاج “بسبب عدم قدرة المزارعين على شراء المبيدات والأسمدة اللازمة”.
وأشار المهندس إلى تفشي بعض الآفات، ومنها آفة السونة، التي تسببت بأضرار إضافية، رغم عدم ارتباطها بنقص الأمطار، مضيفًا أن الجفاف “أثر بشكل سلبي على خصوبة التربة”، إذ أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى “قتل أنواع مهمة من البكتيريا المفيدة التي تساهم في تحليل التربة وتوفير العناصر الغذائية للنباتات”.
وفيما يتعلق بالحلول الممكنة، أكد عبيد على أهمية زيادة ضخ المياه في نهر قويق، الذي يُعد شريان الحياة للمزارعين في المنطقة، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذار وأسمدة بأسعار مدعومة من الدولة أو المنظمات.
تحديات التمويل والحلول المقترحة
يقول حسن حومد، رئيس الجمعية الفلاحية في بلدة الحاضر، إن نقص التمويل الحكومي ساهم بتضخيم الأزمة الزراعية، خصوصًا بأن الدولة لا تزال جديدة، وورثت تركة مهترئة من النظام البائد.
وفي حديث خاص لوكالة “سوريا الجديدة”، أكد حومد على ضرورة تقديم قروض ميسرة للمزارعين تساعدهم على تجاوز الأعباء المالية التي فرضتها الظروف الحالية.
وأضاف أن من التحديات الأخرى تأخر صرف مستحقات، والذي يعاني منه الفلاحون في المنطقة بسبب “غياب السيولة المالية وتحول آلية الدفع عبر منصات إلكترونية مثل شام كاش”.
وقال إن هذا التأخير خلف “كارثة مالية” دفعت المزارعين إلى الاعتماد على “الاستدانة” لتغطية تكاليف الري والتشغيل، خاصة مع ارتفاع أسعار المازوت التي وصلت إلى “دولار واحد لليتر”.
ويقدر حومد صافي الربح من الهكتار الواحد بـ300 دولار فقط، وهو مبلغ لا يغطي حتى أبسط النفقات، في وقت وصلت فيه كلفة سقاية الهكتار الواحد إلى 800 دولار أمريكي، بسبب تأخر تشغيل مضخات المياه في محطتي “البابيري ودير حافر” بسبب سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على المنطقة وتأخر عملها.
وأشار إلى أن تلك الظروف تجعل الزراعة في ظل هذه الظروف أقل جدوى اقتصادية من العمل في وظائف أخرى، مشيرًا إلى أن الزيادة في كمية الأسمدة المستخدمة نتيجة سقاية الأراضي بمياه ناقصة الجودة “أدت إلى ارتفاع كلفة الإنتاج بشكل إضافي”.
وحذر حومد من أن العديد من الفلاحين قد يضطرون إلى التخلي عن الزراعة، مما قد يفاقم أزمة الأمن الغذائي في المنطقة، ويزيد من معاناة المجتمعات المحلية التي تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي للرزق والغذاء.
كما دعا، إضافةً للقروض الزراعية، إلى زيادة ضخ الماء في نهر قويق، بسبب اعتماد الفلاحين على السقاية منه، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي عن طريق الدولة.
وحذرت منظمات الأمم المتحدة من أن الأوضاع “قد تتدهور أكثر في الأشهر القادمة”، إذا لم يتم تنفيذ تدخلات عاجلة تشمل تحسين نظم الري، وتوفير مدخلات زراعية عالية الجودة في الوقت المناسب، إلى جانب دعم تغذية وتطعيم الماشية وترميم البنية التحتية الزراعية.
ومع الانعكاسات الخطيرة التي تخلفها تلك التحديات على الأمن الغذائي والاستقرار المجتمعي في سوريا، فإنها تضع الفلاحين في حلقة مفرغة من الديون والخسائر، وتهدد مستقبل الزراعة في ريف حلب الجنوبي.