بعد توقف استمر لأشهر بسبب تحديات إدارية وأمنية، يعود مسرح اللاذقية ليستعيد دوره كمركز ثقافي وحضاري بارز في سوريا.
يمثل المسرح في هذه المدينة الساحلية أكثر من مجرد فضاء لتقديم العروض الفنية، فهو هوية مجتمعية تعكس ذاكرة ثقافية غنية، ومنصة للتعبير عن هموم الناس وتطلعاتهم بأسلوب فني يجمع بين الدراما والفكاهة.
تاريخ عريق
يحمل مسرح اللاذقية تاريخًا طويلًا من الإبداع، حيث شهد فترة ذهبية تميزت بعروض مسرحية جريئة حملت نقدًا بناءً وأفكارًا مبتكرة. المسرح القومي، الذي افتتح عام 1997، يعد أحد أبرز المعالم الثقافية في المحافظة، بتصميمه المعماري التراثي ومكتبته التي تضم أكثر من 8000 عنوان.
لقد كان هذا المسرح مركزًا للحركة المسرحية السورية، حيث استضاف عروضًا متنوعة ومهرجانات ثقافية وأدبية، ساهمت في صقل المواهب وتعزيز الحوار الثقافي.
تحديات تواجه المسرح
على الرغم من دوره الريادي، واجه مسرح اللاذقية تحديات جمة، منها ضعف الإمكانيات المادية والدعم المالي. تفاقمت هذه المشكلات مع إغلاق المسرح القومي بسبب انهيار خشبته ومشاكل في الصرف الصحي، إضافة إلى تأخر أعمال الصيانة نتيجة خلافات بين المتعهد ووزارة الثقافة في زمن النظام البائد، حيث أُجبرت النشاطات المسرحية على الانتقال إلى المركز الثقافي، الذي يفتقر إلى التجهيزات المسرحية المناسبة، مما استلزم تكاليف إضافية لتأهيله، وأدى إلى تراجع النشاط المسرحي ليصبح مقتصرًا على عروض محلية محدودة وعروض اختتام دورات إعداد الممثل.
توقف النشاط المسرحي بشكل كامل خلال الأشهر السبعة الماضية التي تلت سقوط النظام البائد بسبب غياب الموافقات الإدارية وتغيير القوانين والوضع الأمني غير المستقر في الساحل السوري، مما وضع المخرجين والمسرحيين في حالة من عدم اليقين.
عودة الحياة للمسرح
مؤخرًا، بدأ مسرح اللاذقية يستعيد حيويته مع عودة العروض المسرحية إلى خشبته، كان العرض الأول الذي قدمه الأخوان ملص بمثابة إشارة انطلاق، تلته تحضيرات لعروض وفعاليات جديدة.
وفي تصريح لوكالة سوريا الجديدة أكد الأستاذ هاشم غزال، مخرج مسرحي ومدير المسرح الجامعي، أن المسرح بدأ يستعيد نشاطه، مشيرًا إلى عرض “ضيف” الذي ستقدمه فرقة أليسار المسرحية على خشبة المركز الثقافي، إضافة إلى مهرجان مسرح الطفل الذي سيبدأ فعالياته قريبًا.
من جانبه، أوضح الأستاذ مجد صارم، مدير المركز الثقافي في اللاذقية، لمراسلة سوريا الجديدة أن المركز يواصل تقديم العروض المسرحية للكبار والصغار رغم أعمال الإصلاح الجارية، معربًا عن طموحه لتطوير الأنظمة والقوانين الثقافية لدعم المواهب الشابة وتعزيز الحركة المسرحية بما يتماشى مع تطور المجتمع.
مستقبل المسرح
يبقى المسرح في اللاذقية مرآة تعكس هموم المجتمع وتطلعاته، سواء عبر الدراما أو الفكاهة. هذا الفن، الذي حمل على مدار تاريخه قصص الناس ومعاناتهم، يحتاج إلى دعم حقيقي لاستعادة دوره كمنصة ثقافية مؤثرة. ومع عودة النشاط المسرحي تدريجيًا، يتطلع الجمهور والمسرحيون إلى مرحلة جديدة تعزز مكانة المسرح كأداة للتعبير عن الثقافة السورية، وتسلط الضوء على المواهب الشابة، وتعيد إلى اللاذقية بريقها الثقافي.
لا تقتصر تحديات المسرح في اللاذقية على هذه المدينة وحدها، بل تعكس واقع البنية التحتية الثقافية في سوريا بشكل عام. ففي محافظات مثل دمشق وحلب ودير الزور، تعاني المسارح والمراكز الثقافية من نقص التمويل، تدهور المرافق، وغياب الدعم المؤسسي.
الحرب التي عصفت بالبلاد دمرت العديد من المرافق الثقافية، وأدت إلى تراجع النشاطات الفنية، مما جعل إعادة إحياء القطاع الثقافي تحديًا كبيرًا.
ورغم ذلك، تبقى المبادرات المحلية، مثل تلك التي نشهدها في اللاذقية، خطوة واعدة نحو استعادة الإرث الثقافي السوري وإعادة بناء جسور التواصل بين الفن والمجتمع.