رامي محمد – خاص
بدأت محافظة حلب في عمليات إعادة إحياء المدينة القديمة، والبداية كانت في إطلاق مشروع ترميم ساحة الحطب في منطقة الجديدة إحدى أهم الساحات المعروفة في القلب التاريخي لحلب، والتي تُعد مركزاً تجارياً وسياحياً مهماً، وتعتبر نقطة ربط حيوية بين أحياء العزيزية والسليمانية، وتحتضن العديد من الكنائس ودور العبادة، مما يجعلها وجهة جذب للسياح. وقد لحق بساحة الحطب أضرار بالغة بسبب قصف قوات النظام البائد والمعارك التي دارت فيها في الفترة ما بين العامين 2012 و2016.
وفي تقرير لمنظمة التراث العالمي (UNESCO)، التي أدرجت مدينة حلب القديمة على لائحة التراث العالمي عام 1986 ثم ضمتها لقائمة التراث المهدد بالخطر عام 2013، تعرضت المدينة خلال المعارك التي شهدتها بين عامي (2012-2016) لتدميرٍ طال 10 % من مبانيها التاريخية، بما في ذلك الأسواق المسقوفة (كالسوق العتيق) والمباني الأثرية مثل قلعة حلب. وأشارت المنظمة في تقريرها الصادر عام 2017 إلى أن الدمار لم يكن عشوائياً، بل استهدف بشكل منهجي نقاط الارتكاز الثقافية، مما أدى إلى تشتيت مجتمعي وانهيار النسيج الاقتصادي.
الترميم التقني وإشكالات الهوية
في تصريحٍ خاص لموقع سوريا الجديدة، قال عضو المكتب الإعلامي لمحافظة حلب، مالك الأحمد، إن “مشروع ترميم ساحة الحطب ليس مجرد عملية هندسية، بل محاولة لإعادة تشكيل الهوية المفقودة” مشيراً إلى أن التحديات تتجاوز ترميم الحجر إلى معالجة التشوهات الاجتماعية.
وحول المنظمات والجمعيات المشاركة في المشروع، قال الأحمد إن “المبادرة جاءت بالتعاون مع منظمة التنمية السورية، التي تكفلت بتمويل أعمال إعادة تأهيل البنى التحتية للشركة العامة لكهرباء محافظة حلب، والمنظمة الفيلندية لترحيل الأنقاض والإنارة بالطاقة البديلة ووضع مقاعد حجرية وسلل قمامة”.
وأشار الأحمد إلى أن “التنسيق بين هذه الجهات يتم من خلال لجان إشرافية تضم مديرية المدينة القديمة ومديرية آثار حلب، “لضمان تنفيذ الأعمال وفق الشروط الفنية والمعايير المعتمدة.”
دمار هائل
تتباين التقديرات حول تكلفة إعادة الإعمار في سوريا، حيث تتراوح بين 300 و500 مليار دولار، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة وتصريحات المسؤولين السوريين. وتُقدّر بعض المصادر أن التكلفة قد تتجاوز 120 مليار دولار، مع التركيز على القطاعات الأساسية مثل الزراعة والصناعة والنفط. وقد أدت سنوات الحرب التي شنها النظام البائد لأضرار متوسطة إلى هائلة لحقت بنحو نصف الأبنية في المدينة التي شملها التقييم (اليونيسكو)، شمل ذلك معالم بارزة مثل قلعة حلب والجامع الأموي الكبير وجامع العادلية وغيرها، مما يهدد مكانتها كأحد مواقع التراث العالمي.
أما من الناحية المواد والأيد العاملة، كشف الأحمد بأن التحديات التي تواجه فرق العمل تشمل “زيادة كلفة المواد المستخدمة في الترميم، مثل البلاط والبازلت، وندرة اليد العاملة المختصة ذات الخبرة في أعمال الترميم في المدن القديمة”.
ومع ذلك، أشار إلى أن “الانتهاء من أعمال الترميم سيسهم في دعم السياحة وتحفيز النشاط الاقتصادي في الأحياء القديمة”. وأضاف أن “المرحلة الأولى من الترميم وصلت إلى نسبة إنجاز تبلغ 60%، بينما المرحلة الثانية للمحاور المؤدية للساحة بلغت 20%، والجدول الزمني لانتهاء العملية مرتبط بانتهاء ترميم شبكة الكهرباء”.
إحياء المدينة القديمة
في إطار استراتيجية إعادة إحياء أسواق المدينة، تُخطط محافظة حلب للبدء في ترميم سوق العطارين في الجزء الغربي للمدينة خلال النصف الثاني من عام 2025، بالتعاون مع مؤسسة الأغا خان للخدمات الثقافية والمديرية العامة للآثار والمتاحف، وأشار مصدر في مجلس المدينة، بأن عمليات الترميم ستساعد أصحاب المنشآت التجارية والسياحية للإسراع بإعادة تأهيل منشآتهم المتضررة وإعادة دوران العجلة الاقتصادية في المنطقة، فحلب القديمة، المسجلة على لائحة التراث العالمي منذ عام 1986، تستحق تكاتف الجهود المبذولة حكومياً ومجتمعياً للحفاظ عليها وإعادة إحيائها، بحسب تعبيره.
بالرغم من حجم الدمار الهائل الذي لحق بحلب القديمة وما تركه من آثار جسيمة على تراثها وسياحتها واقتصادها، تشكل أعمال الترميم الجارية، وعلى رأسها مشروع إعادة تأهيل ساحة الحطب، بارقة أمل في مسار طويل لإعادة الحياة إلى قلب المدينة التاريخي. ولم تقتصر التحديات، لإعادة الحياة إلى المدينة، على الترميم فقط، بل على عجز السكان من العودة إلى منازلهم، خصوصاً في الأحياء الشرقية للمدينة، نظراً لحجم الدمار الذي تعاني منه، وقلة الموارد لإعادة إحياءها.
في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2024، وقبل سقوط نظام الأسد، بدأت شركة إحياء حلب القديمة التابعة لمجموعة القاطرجي القابضة أعمال ترميم فندق كارلتون القلعة بحلب، وهو من المعالم التاريخية بالمدينة القديمة، وكانت الشركة قد حصلت في شباط من العام 2020 على عقد استثمار مشروع فندق (كارلتون القلعة) الموقع بين الجهة المالكة وهي ووزارة السياحة في حكومة النظام البائد وشركة إحياء حلب القديمة المحدودة المسؤولية التابعة لمجموعة القاطرجي. والسؤال اليوم هل ستعتبر العقود في هذا الخصوص باطلة، ويتم طرح المشروع مجدداً للاستثمار واستئناف عمليات الترميم.
بدأ بناء الفندق في عام 1819، حينها بني ليكون مشفى وطني يقع بالقرب من سوق الزرب وسط المدينة القديمة بحلب، ومن ثم أُطلق عليه اسم مشفى الغرباء الحميدي، حينها فُرش بأموال إعانات جُمعت من عدد من المتبرعين، واستغرق بناؤه نحو 48 عامًا، وانتهى عام 1897 ليفتتحه الوالي جميل باشا عام 1900، لمداواة الغرباء والفقراء، وكان عبارة عن 32 غرفة وبيتين كبيرين وصالونين طويلين وصيدلية. وفي عام 1988 تحول إلى معهد صحي، قبل أن يُستثمر كفندق كونه يتمتع بإطلالة وموقع مميز في واجهة قلعة حلب، وفي العام 2014 تعرض الفندق لتدمير هائل، غابت معظم التفاصيل العمرانية للمكان الذي تحول لخط تماس بين قوات النظام البائد وقوات المعارضة في ذلك الوقت.