“أمنّ الأطفال وتعال”.. السوريون يحيون أول ذكرى لمجزرة كيماوي الغوطة بدون الأسد

في تمام الساعة الثانية من فجر الخميس 21 آب 2025، ارتفعت التكبيرات من مآذن الجوامع في دمشق وريفها، إحياءً للذكرى الثانية عشرة لـ”مجزرة كيماوي الغوطة الشرقية”، والتي تُحيى هذا العام للمرة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وغطى اللون الأصفر حسابات معظم السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، إعلانًا منهم على إحياء ذكرى حوالي 1400 من الأبرياء، الذين سقطوا في مجزرة الكيماوي 2013، وتذكيرا للعالم أجمع بأن المجرم لايزال طليقًا.

وفي ليلة 21 آب/أغسطس 2013، شنت قوات النظام البائد 4 هجمات كيميائية متزامنة على مناطق مأهولة في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية، بما في ذلك بلدة معضمية الشام، مستخدمةً ما لا يقل عن 10 صواريخ محمّلة بغاز السارين بكمية إجمالية تُقدَّر بنحو 200 لتر، بحسب تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اليوم الخميس بهذه المناسبة.

وأوضحت الشبكة، أن الصواريخ أطلقت من منصات مخصّصة، واستُغلت الظروف الجوية لإبقاء الغازات السامة قريبة من سطح الأرض، ما أدى إلى سقوط أكبر عدد ممكن من الضحايا أثناء نومهم، في دلالة واضحة على نيةٍ مبيّتة لاستهداف المدنيين المطالبين بالتغيير السياسي، ترافق ذلك مع حصار خانق مفروض منذ نهاية عام 2012، منع دخول الوقود والدواء والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج المصابين، مما فاقم الكارثة الإنسانية.

واستطاعت الشبكة أن توثق حينئذ مقتل 1144 شخصًا اختناقًا بغاز السارين الكيماوي، وتوزّعت الحصيلة على النحو الآتي: مقتل 1119 مدنيًا، بينهم 99 طفلًا و194 سيدة (أنثى بالغة)، ما يثبت الاستهداف المباشر للمدنيين؛ إضافة إلى مقتل 25 من مقاتلي فصائل المعارضة السورية. كما أصيب نحو 5935 شخصًا، غالبيتهم من المدنيين، بأعراض تنفسية وحالات اختناق جرّاء التعرّض للغازات السامة.

ويذكر أن حوالي 90 بالمئة من الضحايا وقعوا في الغوطة الشرقية، وكان العبء الأكبر على بلدات عين ترما وزملكا وجوبر وعربين.

وأشارت الشبكة إلى أن هذه الذكرى تفتح نافذة حقيقية لتحقيق العدالة، وكشف الحقائق كاملة، وضمان محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم، خاصة وأنها تحل مع دخول البلاد مسارًا انتقاليًا يشهد التزامًا حكوميًا متزايدا بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

ذكرى “مجزرة كيماوي الغوطة”: أمّن الأطفال وتعال

وفي هذه المناسبة، كتب الطبيب حسام حمدان صاحب مشفى حمدان الذي، أسعف إليه مئات المصابين، شهادته أو المجريات الأليمة التي عاشها وأسرته في تلك الليلة.

وقال حمدان على حسابه في فيسبوك: أشعر برعشة تسري في جسدي كلما أعادت إليّ الذاكرة أحداث تلك الليلة.. بدأت عندما اخبرني ابني يومها أنه يشعر بضيق نفس وكنت أسخر من حديثه ساعتها ولم يخطر في أسوأ كوابيسي أن بشار الأسد فعل مالم يجرؤ فرعون نفسه على فعله.

“بدأت تنهال الرسائل على جوالي.. قبضات اللاسلكي تتحدث بجنون وهاتف المكتب الطبي يرن وكأنه يدق ناقوس الموت القادم مع رياح الغوطة.. كل شيء حولي يخبرني بحجم الكارثة.. ارفع سماعة الهاتف فلا أسمع شيئا إلا كلمة يرددها صديقي المناوب؛ حسام ضربونا كيماوي ضربونا كيماوي، الجثث صارت مكدسة عندنا أمّن أطفالك وتعال”.

يضيف الطبيب حمدان: “هنا لم أستوعب..كيماوي، جثث مكدسة، أمّن أطفال، وما الذي يستطيع أن يمنع هواء الغوطة أن يصل لرئة خمسة أطفال من حولي مع زوجتي الصابرة؟!”.

وتابع: أحضرت بلحظات ملاءات النوم وأغطية السرير وبللتها بالماء وأدخلت زوجتي وأطفالي الحمام وغطيتهم بتلك الملاءات وأمرتهم بعدم الخروج حتى أعود إليهم وهنا استوقفتني زوجتي… وهمست بأذني كلمة لا أنساها ما حييت… وإذا لم تعد هل لنا أن نخرج لنكون معا لم أتخيل ساعتها ان خروجي لمواجهة تلك الهجمة قد تعني اللحاق بالشهداء، خرجت ولم التفت لحديثها…

الطبيب حمدان: صدمة وذهول

وعند وصوله للنقطة الطبية يصف الطبيب حمدان المشهد وهو بحالة صدمة: “العشرات من السوريين يزفرون لحظاتهم الأخيرة)…( ينادي صديقي عليك بالأتروبين.. وأنا تنادي كل ذرة في جسدي عليك بهم يارب عليك بهؤلاء المجرمين وأعوانهم، نسيت في تلك الليلة كل قواميس الطب وبت اتقلب بين جثث الأطفال وأمهاتهم.. وينادي صديقي من بعيد، ماذا تفعل فقط أعط الأتروبين”.

وأضاف: “أعطيت من حولي ابرة اثنتان ثم عشرا والكل من حولي يموت وأنا فقط انتظر العد تلو العد، أعد جثث السوريين من أهلي وأبصرهم أمام عيني يغادرون ولا أملك شيئًا سوى البكاء”.

” ينتهي المشهد مع وداع آخر أسرة أحضروها جميع أفرادها شهداء لكن تلك الليلة خطت في ذاكرتي حفرة عمقها كعمق ظلم الأسد وأعوانه لأهلنا على مدار عقود طويلة”.

ثم يختم الطبيب حمدان منشوره الطويل: “اليوم أكتب لكم وأنا في فراشي استحضر تلك الذكريات ولم أتخيل يومًا أن أعود لنفس الفراش بعد سنوات تهجيري ويصبح الأسد المجرم حثالة في مزابل التاريخ بانتظار القضاء العادل الذي سيفرح أهل العالم كلهم”.

كشف الحقيقة والمحاسبة

وخرجت، اليوم الخميس، قوافل لعشرات السيارات وهي تتجول في العاصمة دمشق وريفها وهي تحمل أعلام سوريا وشعارات ولافتات تذكّر بجريمة الكيماوي وضحاياها، بحسب ما رصد مراسلو وكالة سوريا الجديدة.

كما طالب المشاركون وناشطون وحقوقيون بضرورة كشف الحقيقة والمسؤولين المباشرين، عما جرى في تلك الليلة المؤلمة، وتقديمهم للمحاسبة والعدالة.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن ضحايا مجزرة كيماوي الغوطة الشرقية والغربية عام 2013، يشكلون 76 بالمئة من مجمل ضحايا الكيماوي في سوريا، الذي قضوا في 222 هجوما، منذ انطلاق الثورة وحتى سقوط النظام في كانون أول 2024.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist