ملف التعليم في الجزيرة السورية بين التجاذب السياسي وتمسّك الأهالي بالمناهج الحكومية

تحوّل ملف التعليم في محافظات الجزيرة السورية (الحسكة، دير الزور، والرقة) إلى ساحة صراع سياسي، بعد أن فرضت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مناهج تعليمية خاصة بها، ورفضت اعتماد المناهج الحكومية المعترف بها رسميًا، ما أدى إلى إغلاق عدد كبير من المدارس والمعاهد، بينها مؤسسات تعليمية تابعة للكنائس، وسط رفض شعبي واسع لهذه الإجراءات.

أزمة المناهج واحتجاجات الأهالي

أثار قرار “قسد” بفرض مناهجها التعليمية خلال الأسابيع الأخيرة موجة احتجاجات واسعة في المنطقة، تُرجمت عبر مظاهرات وبيانات استنكار صادرة عن مؤسسات دينية ومدنية وحقوقية.

وعقب سلسلة مشاورات بين ممثلي “قسد” ومجلس الكنائس في الجزيرة والفرات، أعلن المجلس في بيان رسمي يوم الأحد 2 تشرين الثاني/نوفمبر، التوصل إلى اتفاق يقضي بالسماح لمدارس الكنائس بمواصلة تدريس منهاج وزارة التربية السورية خلال العام الدراسي 2025-2026، على أن يُستأنف الدوام اعتبارًا من يوم الإثنين التالي.

وأوضح البيان أن الاتفاق جاء نتيجة رفض الأهالي إرسال أبنائهم إلى المدارس التي فُرضت عليها مناهج “غريبة عن السوريين وغير معترف بها رسميًا”، بحسب تعبيره.

تعطيل متعمّد واتهامات بتسييس التعليم

ورأى مجلس الكنائس أن التأخير في انطلاق العام الدراسي، الذي تجاوز شهرًا كاملًا، كان نتيجة “سياسة ممنهجة لإضعاف المؤسسات التعليمية الأصيلة”، معتبراً أن تعطيل التعليم يمثل “عقوبة جماعية” استهدفت الطلاب وأسرهم بسبب خلافات سياسية لا علاقة لهم بها.

وكانت “قسد” قد أغلقت، في 30 أيلول/سبتمبر الماضي، عددًا من المدارس المسيحية في مناطق الجزيرة السورية بعد رفض إداراتها اعتماد مناهجها الجديدة. ومن أبرز تلك المدارس: مار قرياقس للسريان الأرثوذكس، السلام للأرمن الكاثوليك، ميسلون للبروتستانت، فارس الخوري للآشوريين، الاتحاد للأرمن الأرثوذكس، والأمل التابعة للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في الحسكة.

موقف الكنائس وتمسّكها بالمنهاج الرسمي

في 7 تشرين الأول/أكتوبر، جدّد المطران مار موريس عمسيح، مطران أبرشية الجزيرة والفرات للسريان الأرثوذكس، رفض الكنيسة لأي محاولات لفرض مناهج “قسد” على مدارسها، مؤكدًا أن هذه المدارس تخدم مختلف مكونات المجتمع السوري، ولن تعتمد سوى المنهاج الرسمي الصادر عن وزارة التربية في دمشق والمعترف به دوليًا.

وأشار المطران إلى أن الحوار مع “قسد” استمر أكثر من شهر، واقتصر على خيارين هما اعتماد منهاج “قسد” أو منهاج “اليونيسف”، وهو ما رفضته الأبرشية بشكل قاطع، موضحًا أن “قسد” أقدمت على طرد الطلاب بعد رفض تلك المناهج، ما أدى إلى توقف العملية التعليمية.

وأكد أن استئناف التعليم في مدارس الأبرشية مشروط باعتماد المنهاج السوري الموحد وبترخيص رسمي من وزارة التربية، مشددًا على تمسّك الكنيسة بـ”النهج الوطني الذي يصون وحدة المجتمع السوري ومستقبل أبنائه”.

احتجاجات مستمرة وتخوف من العام الدراسي

ويُعدّ ملف التعليم أحد أبرز أسباب موجة الاحتجاجات التي تشهدها مناطق الجزيرة السورية مؤخرًا، رفضًا لما يصفه الأهالي بـ”تسييس التعليم ومحاولات فرض مناهج غير معترف بها”، إلى جانب استمرار الانتهاكات المتمثلة في الاعتقالات والتجنيد الإجباري وغيرها من الممارسات التي تطال أبناء المنطقة.

ويرى ناشطون أن هذه الأزمة التعليمية قد تنذر بمزيد من التصعيد، في ظل إصرار السكان على حماية حق أبنائهم في التعليم الرسمي المعترف به، ورفضهم لما يعتبرونه “طمسًا للهوية الوطنية” تحت غطاء سياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist