يصادف اليوم، 10 حزيران 2025، الذكرى الخامسة والعشرين لوفاة ديكتاتور سوريا حافظ الأسد، الذي حكم البلاد لثلاثة عقود (1971-2000) بقبضة حديدية، مخلفًا إرثًا من القمع والمجازر، ونظامًا شموليًا امتد تأثيره حتى ما بعد وفاته، قبل أن ينهي السوريون، بانتصار ثورتهم، عصر الذل والخوف.
الاستيلاء على الحكم
ولد حافظ الأسد في 6 تشرين الأول 1930 في قرية القرداحة بمحافظة اللاذقية، وانخرط في شباب ضمن صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي وتدرج في الجيش السوري، حيث شارك في انقلاب 8 آذار 1963 الذي أوصل الحزب إلى السلطة.
لاحقًا، تصاعدت الصراعات الداخلية داخل الحزب، فأطاح الأسد برفاقه في ما يسمى “الحركة التصحيحية”، وهي انقلاب عسكري نفذه في تشرين الثاني 1970، ليصبح رئيسًا لسوريا في آذار 1971، عزز حافظ الأسد سيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية، معتمدًا على الولاءات الطائفية، خاصة من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، لتثبيت حكمه.
حكم بقبضة حديد
حكم حافظ الأسد سوريا بنظام شمولي، حيث أحكم قبضته على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. أصدر دستورًا جديدًا عام 1973 منح نفسه صلاحيات مطلقة، وقمع أي صوت معارض بلا هوادة عبر الاعتقالات والتعذيب والإعدامات.
أسس شبكة واسعة من الأجهزة الأمنية، سيطرت على كل مفاصل البلاد وروجت شعار “قائدنا إلى الأبد”، ما عزز عبادة الشخصية واستخدم القوة المفرطة لإخماد أي احتجاجات، وأدار صراعًا عنيفًا مع جماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرها تهديدًا رئيسيًا لحكمه.
مجازر سجن تدمر وحماة
شهدت فترة حكم حافظ الأسد مجازر مروعة، من أبرزها:
مجزرة سجن تدمر: في 26 حزيران 1980، تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة اتهم فيها الإخوان المسلمين، وردًا على ذلك، نفذت وحدات “سرايا الدفاع” بقيادة شقيقه رفعت الأسد، في 27 حزيران، مجزرة في سجن تدمر الصحراوي، حيث قتلت مئات السجناء وتقول هيومن رايتس ووتش إن نحو ألف سجين معظمهم من الإسلاميين والمعارضين السياسيين، أعدموا دون محاكمات.
مجزرة حماة: واجهت مدينة حماة، حملة عسكرية وحشية من 2 إلى 28 شباط 1982 حيث حاصرت قوات الأسد وسرايا الدفاع المدينة، وقصفتها بالمدفعية والطائرات، ثم اقتحمتها، مرتكبة إعدامات جماعية، وعمليات قتل عشوائي، وتدمير أحياء بأكملها.
يقدر عدد الضحايا بين 30,000 و40,000 مدني وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى جانب آلاف الجرحى والمعتقلين، مما جعلها جرحًا عميقًا في الذاكرة السورية.
توريث الحكم لابنه
مع تقدمه في العمر، بدأ حافظ الأسد بالبحث عن خليفة، كان اختياره الأول شقيقه رفعت، لكن محاولة الأخير الاستيلاء على السلطة خلال أزمة صحية لحافظ في 1983-1984 أدت إلى نفيه.
بعد موت ابنه الأكبر باسل في حادث سير عام 1994، ركز الأسد على تهيئة ابنه بشار، الذي كان يدرس طب العيون في لندن، وعند وفاة حافظ الأسد في 10 حزيران 2000، تم تعديل الدستور في دقائق لخفض سن الرئاسة إلى 34 عامًا ليناسب بشار، الذي انتخب في “استفتاء شعبي” وصف بالمسرحية، ليواصل الحكم الدكتاتوري لعائلة الأسد.
مملكة الخوف بعد وفاته
امتد إرث حافظ الأسد القمعي إلى عهد ابنه بشار، الذي واصل سياسة القبضة الحديدية متجاهلًا كل الدعوات للإصلاح ومنح الحريات، ومع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، رد النظام بالعنف الشديد، مستخدمًا الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، ما أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وتهجير الملايين وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وعززت الميليشيات الموالية للنظام، مثل “الشبيحة”، الخوف بين السوريين، واستمر التعذيب في السجون، مثل سجن صيدنايا، كأداة للقمع.
انتصار الثورة وإسقاط رموز الدكتاتورية
في كانون الأول 2024، انهار نظام الأسد إثر هجوم واسع النطاق شنته فصائل الثورة السورية، التي سيطرت على دمشق، مما دفع بشار الأسد وعائلته للهرب إلى روسيا، لينتهي بذلك أحد أشد الأنظمة الدكتاتورية في العالم.
بعد 54 عامًا من حكم عائلة الأسد، أنهى السوريون عصر الذل والخوف، حيث أحرق مسلحون قبر حافظ الأسد في اللاذقية، وأسقطوا تماثيله وصوره عبر البلاد، معلنين نهاية رمزية للدكتاتورية، لتنتعش الآمال لدى السوريون في بناء مستقبل مستقر لبلدهم، خالٍ من القمع والدكتاتورية، حيث يتساوى الجميع في الكرامة والحرية.