مع انخفاض أسعار الخضروات.. المؤونة تعود إلى بيوت السوريين

محمد شيخ عثمان

بعد سنوات من الغياب القسري عن موائد أصحاب الدخل المحدود في سوريا، عادت “مونة الصيف” لتزين رفوف المؤن في البيوت السورية من جديد. فالفول والبازيلاء والثوم، وغيرها من الخضروات الموسمية التي اعتاد السوريون حفظها لمواجهة أيام الشتاء، أصبحت اليوم في متناول شريحة واسعة من المواطنين، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي لا تزال قائمة.

يعود هذا التحول الملحوظ بشكل أساسي إلى الانخفاض النسبي في أسعار العديد من المواد الغذائية، وعلى رأسها الخضروات. هذا الانخفاض ساهم في إحياء عادة “المونة” التي افتقدتها الكثير من الأسر السورية خلال سنوات النظام البائد، حيث كانت الأسعار المرتفعة وتكاليف المعيشة الباهظة تجعل من تخزين المؤن رفاهية لا يقدر عليها الكثيرون.

ووفقًا لتقرير البنك الدولي كان 69%  من السوريين حوالي  14.5 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر في عام 2022، بينما وصلت نسبة الفقر المدقع إلى 27%، وبحلول عام 2023، قدرت الأمم المتحدة أن 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وفي أحد الأسواق وسط مدينة حماة، تزدحم البسطات بالخضروات الموسمية التي تُعد أساس المؤونة الصيفية، مراسل سوريا الجديدة أجرى جولة في السوق للاطلاع على الأسعار ومدى الإقبال على شراء مستلزمات المؤونة.

أبو ناصر زعرور، صاحب محل لبيع الخضار، أكد لمراسلنا أن انخفاض الأسعار ساهم بزيادة الإقبال على السوق قائلاً: “الفول كان سعره السنة الماضية ١٥ ألف ليرة، اليوم عم نبيعه بـ١٠ آلاف، الفاصولياء نزلت من ٩ آلاف إلى ٥٥٠٠ ليرة، وحتى الثوم انخفض سعره من ١٠ آلاف إلى ٥٥٠٠ ليرة. الأسعار نزلت بشكل واضح، والناس رجعت تشتري كميات للمونة، الوضع اختلف كتير عن قبل لما كان الواحد مضطر يستغني عن كل هالقصص.”

بدورها، عبرت أم لؤي الصالح، ربة منزل في الخمسينات من عمرها، عن سعادتها بعودة هذه العادة. وبينما كانت تتفحص الخضروات المعروضة في السوق، قالت: “أنا من خمس سنين ما عملت مونة، ما كان في قدرة ولا نفس حتى. كنا نشتري يا دوب ليوم واحد حسب الموجود. بس هالسنة حسّيت إنه في مجال أرجع أعمل شوية فول وفاصولياء للشتاء، وحتى الثوم رجعت خزنته. صحيح لسا الوضع صعب وما معي كتير مصاري، بس الأسعار نزلت شوي، وفي حركة بالسوق بتشجع.”

وأضافت أم لؤي بابتسامة: “كمان هاي العادة لها طعم خاص، بتخليني أشعر بالأمان لما يكون عندي مونة ببيتي. هي ليست فقط قصة أكل، هي جزء من عاداتنا وبتعطي شعور بالراحة.”

تجربة أم لؤي ليست استثناء، فالعديد من الأسر السورية، كانت مضطرة للتخلي عن إعداد المؤونة بسبب الأوضاع الاقتصادية، إذ سجلت أسعار الخضروات والفواكه ارتفاعات تجاوزت 150%، نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي وتصدير معظم المحاصيل إلى الخارج. كما أفاد تقرير لبرنامج الغذاء العالمي عام 2020 بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 107% خلال عام واحد.

ولا يختلف الأمر في حلب كثيراً عما هو في حماة إذ تشهد أسواق الخضروات إقبالاً كبيراً لشراء المؤون، يقول أبو عمر وهو رب أسرة مكونة من 7 أفراد خلال تجوله في سوق باب جنين: “أنا عندي عائلة كبيرة وكنت أعاني في السنوات الماضية من التسوق اليومي لكل طبخة، اليوم بشتري مونة السنة وبرتاح، ونحن ما زلنا بأول موسم المونة عمننتظر البندورة والحصرم والمربايات، وإن شاء الله الأسعار تنخفض أكثر مع حلول الصيف”، ويضيف أبو عمر أن انخفاض الأسعار لا يكفي لوحده بل لا بد من تحسن واقع الكهرباء لحفظ المؤن في الثلاجات.

وعن أسباب انخفاض أسعار الخضروات والفواكة يقول “أبو هشام” وهو أحد تجار سوق الهال في حلب إن فتح الطرقات بين المحافظات السورية وتوقف أخذ الأتاوات من الحواجز العسكرية التي كانت على زمن النظام البائد ساهم في انخفاض الأسعار، وتوقع أبو هشام أن تشهد الأسعار انخفاضاً أكبر مع عودة عدد كبير من المزارعين المهجرين إلى قراهم ومدنهم والبدء بزراعة أراضيهم.

عودة “مونة الصيف” إلى بيوت السوريين تعكس تحسناً نسبياً في القدرة الشرائية لبعض الأسر، وتشير أيضاً إلى استقرار نسبي تشهده الأسواق وتوفر الخضروات بأسعار تبدو أكثر ملاءمة لشريحة أوسع من المواطنين. هذا التطور يفتح نافذة أمل لاستعادة بعض العادات والتقاليد التي غيبتها الظروف الاقتصادية الصعبة لسنوات طويلة، ويعيد إلى الأسر السورية شيئاً من الشعور بالاستقرار والأمان الغذائي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر مشاهدة

الأحدث

Add New Playlist