يحل الأول من أيار، عيد العمال العالمي، على سوريا هذا العام بطعم مختلف، فهو يأتي بعد سقوط النظام البائد الذي طالما استغل الطبقة العاملة وتجاهل أبسط حقوقها، هذه المناسبة ليست مجرد ذكرى لنضالات عمال شيكاغو عام 1886 من أجل 8 ساعات عمل، بل هي محطة للتفكير في واقع العمال السوريين اليوم ودورهم المحوري في الثورة التي طالبت بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
منذ انطلاق الحراك الشعبي في آذار 2011، كان للعمال والحرفيين والفلاحين السوريين دور بارز في الصفوف الأولى للمطالبين بالتغيير. لم يقتصر دورهم على التظاهر في الشوارع فحسب، بل امتد ليشمل الانخراط الفاعل في لجان التنسيق التي قادت الحراك، وتنظيم الإضرابات عن العمل كأداة ضغط سلمية، ورفض الانجرار وراء أدوات القمع أو التبعية السياسية للنظام.
الكثير من العمال السوريين دفعوا ثمنًا باهظًا لمشاركتهم في الثورة، فتعرضوا للاعتقال والفصل التعسفي من وظائفهم، بل إن بعضهم فقد حياته أو لا يزال في عداد المفقودين، كل ذلك لأنهم رفعوا صوتهم مطالبين بحد أدنى من مقومات الحياة الكريمة.
وفي محاولة لفهم واقع العمال السوريين وآمالهم، استطلع مراسلو وكالة “سوريا الجديدة” آراء عدد من العمال في مدن سورية مختلفة.
يقول “مصطفى العمر” وهو عامل في القطاع العام بمحافظة حلب: عيد العمال في زمن النظام البائد، كان مجرد تسمية في التقويم. صحيح أنه يوم عطلة، لكنه لم يكن يحمل معنى العيد الحقيقي. كانت الأجور متواضعة لا تكفي لسد الرمق، وأسعار السلع مرتفعة، وظروف العمل صعبة.
ويضيف العمر: كنا نسمع في هذا اليوم خطابات عن حقوق العمال، لكن على أرض الواقع، لم نشعر بتحسن ملموس. كثير من العمال، وأنا منهم، كانوا يستغلون هذا اليوم إما للراحة قليلاً من عناء العمل، أو للبحث عن عمل إضافي لتغطية النفقات.
أما عن آمال العمال وتطلعاتهم للمستقبل، فيحدثنا “أبو إبراهيم”، وهو عامل في مصنع خاص بريف دمشق، عن التحديات التي ما تزال قائمة والآمال المعلقة على التغيير: بعد سقوط النظام البائد، في عنا أمل أن تتحسن الأمور، رغم التحديات الكبيرة، فالأجور مازالت ضعيفة ولا تغطي الاحتياجات كلها، والكثير من العمال، يعملون في ظروف صعبة، سواء بالبناء أو الزراعة أو حتى الورش، ربما تحمل الأيام القادمة، مع التغيرات الجديدة، بارقة أمل، لكن الطريق لا يزال طويلاً أمام العمال في سوريا.
وفي سياق الحديث عن دور العمال في الحراك الشعبي ومستقبل الحركة العمالية، تشاركنا السيدة “أم جمال”، وهي عاملة في مستشفى في إدلب، رؤيتها للمستقبل: العمال كانوا جزءًا أصيلًا من الحراك الشعبي الذي طالب بالتغيير. ومن الضروري استمرار هذا الدور في مرحلة بناء سوريا الجديدة، من خلال المشاركة الفعالة في النقابات والمنظمات العمالية المستقلة، والمساهمة في صياغة قوانين عمل عادلة تضمن حقوقهم وتحمي مصالحهم.
إن عيد العمال هذا العام في سوريا يحمل دلالات أعمق من أي وقت مضى، فهو يربط الماضي الحافل بالنضال العمالي بتحديات الحاضر وآمال المستقبل.
وبينما يحتفل العالم بتكريم الطبقة الكادحة، يتطلع العمال السوريون إلى مستقبل يضمن فيه حقوقهم ويحظون بظروف عمل كريمة تليق بتضحياتهم ودورهم التاريخي في بناء مجتمع حر وعادل.