في خطوة واعدة تؤشر إلى بداية مرحلة اقتصادية جديدة، غادرت أول باخرة محملة بـ10 آلاف طن من الفوسفات السوري مرفأ طرطوس في 22 نيسان/أبريل 2025، في أول عملية تصدير للفوسفات منذ سقوط النظام البائد.
وقالت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية إن هذه الخطوة تعكس عودة النشاط التجاري البحري وتحمل دلالات اقتصادية وسياسية مهمة لسوريا والمنطقة، وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية في الحكومة السورية أعلنت في شباط/فبراير الفائت عن مناقصة لإنتاج الفوسفات المركز بواسطة الكسارة في مناجم الشرقية وخنيفيس بتدمر، كما أعلنت عن مزاد لبيع 175 ألف طن من الفوسفات الرطب من مناجم الفوسفات في تدمر.
ويُعتبر الفوسفات من أهم الموارد الطبيعية في سوريا، حيث تمتلك البلاد احتياطيات تقدر بنحو 1.8 مليار طن، ما يجعلها من بين الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال، وقبل عام 2011، كانت سوريا تصدر حوالي 2.4 مليون طن سنوياً عبر طرطوس، إضافة إلى 700 ألف طن براً إلى لبنان.
رافد مالي مهم
أكد الباحث والخبير الاقتصادي، فراس شعبو أن “عودة تصدير الفوسفات مهم جداً للدولة السورية فهو يؤمن واردات بالعملة الصعبة ويعزز المكانة الاقتصادية لسوريا ويعيد ربطها بالتجارة العالمية في سوق الفوسفات”.
وأضاف شعبو لموقع “سوريا الجديدة” أن “تصدير الفوسفات يساهم في إعادة تفعيل البنية التحتية التي كانت معطلة وذلك على مستوى سكك الحديد والشحن وتنشيط ميناء طرطوس ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة ويحرك قطاعات اقتصادية أخرى في سوريا”. وأشار شعبو إلى أن تصدير مواد مثل الفوسفات يساهم في تعديل الميزان التجاري، في ظل الوضع الحالي للاقتصاد السوري الذي يعاني من عجز تجاري بسبب انخفاض الصادرات وارتفاع الواردات.
تحديات الاستثمار
تواجه سوريا تحديات كبيرة لاستدامة تصدير الفوسفات، بما في ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، وإدخاله في الصناعات التحويلية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والتنافس في سوق عالمية يهيمن عليها منتجون مثل الصين والمغرب.
وفي هذا الإطار أكد شعبو أن “القيمة المضافة من التصنيع هي أكبر بكثير من التصدير كمادة خام، حيث يمكن استخدام الفوسفات في الصناعات الكيميائية والدوائية وصناعة الأسمدة والأحماض، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن إدخال الفوسفات في الصناعة يتطلب بيئة استثمارية مستقرة ويتطلب تشريعات وتقنيات متطورة وموارد غير متوفرة إلى حد ما في سوريا الآن”.
عقود الفوسفات
وفي السنوات الأخيرة من حكم النظام البائد سيطرت شركات روسية وإيرانية، على إنتاج وتصدير الفوسفات السوري بموجب عقود طويلة الأمد، حيث كانت تستحوذ على حصة تصل إلى 70% من الإنتاج، ما أثار انتقادات بشأن استنزاف الموارد السورية من جهات خارجية.
وصدّق مجلس الشعب في عهد النظام البائد في آذار 2018 على اتفاق موقع بين “المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية” وشركة “ستروي ترانس غاز (STG) ” الروسية، نص على استثمار مناجم الفوسفات في تدمر مدة 50 عامًا، بإنتاج سنوي قدره مليونان و200 ألف طن، من احتياطي 105 ملايين طن.
وحول العقود التي أبرمها النظام البائد، يرى شعبو، أن ” عقود إنتاج الفوسفات مع ايران وروسيا كانت عقود غير طبيعية ومجحفة بحق سوريا، ويؤكد على ضرورة سيطرة الدولة السورية على موارد البلد مثل الفوسفات للاستفادة منها كثروات وكتنمية للمجتمع والاقتصاد السوري”.
و أكدت محافظة طرطوس أن نشاطاً تجارياً متواصلاً تسجله بواخر الشحن ضمن ميناء طرطوس بشكل يومي، إذ أكد بين مدير مكتب العلاقات الإعلامية في ميناء طرطوس إبراهيم درويش لصحيفة ”الثورة” أنه بعد التحرير ورد لمحطة الحاويات بمرفأ طرطوس 8 بواخر خاصة من الأمم المتحدة تحتوي على مواد إغاثية، ووصل 304 حاويات بقياس 20 قدماً، وبوزن 7600 طن من المواد الغذائية.
يُعد تصدير أول باخرة فوسفات من مرفأ طرطوس خطوة رمزية وعملية في آن واحد، تؤكد إمكانية إحياء القطاعات الاقتصادية الحيوية في سوريا. ومع استمرار الجهود لتأمين الاستقرار وإعادة بناء البنية التحتية، يمكن أن يصبح الفوسفات أحد الروافد الرئيسية للاقتصاد الوطني، ما يسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الأمن الاقتصادي.